19 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي دخلت تركيا مرحلة من عدم الاستقرار المثلث السياسي والأمني والعسكري. قبل سنتين ونيف وبالتحديد منذ نهاية العام 2012 كانت تركيا تدخل في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني بطريقة مباشرة. ومع أن المنظمة إرهابية بالتصنيف الرسمي فإن الدولة عبر رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان التقت زعيم المنظمة عبدالله أوجالان في سجنه في إيمرالي. ولقد ترافق ذلك مع إعلان أوجالان وقفا للنار وسحب جزء من مقاتليه من الداخل التركي إلى شمال العراق. مرت سنتان ونصف السنة على المفاوضات في ظل هدوء اعتبرته وسائل الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية بأنه إنجاز تاريخي. لكن على امتداد المفاوضات لم يحدث أي تحول سياسي جذري في مسار حل المشكلة الكردية. انتخابات السابع من حزيران/ يونيو كانت محطة بين مرحلتي الاستقرار ولو الشكلي والاضطراب الواسع على كل الأصعدة. فشل حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالغالبية المطلقة وبالتالي الاستمرار منفردا في السلطة فتح الباب أمام عدم استقرار سياسي بين السلطة والمعارضة.فحتى الآن لم تتشكل حكومة ائتلافية وفي حال استمرار الفشل حتى نهاية مهلة الــ 45 يوما أي حتى نهاية الأسبوع المقبل فإن البلاد قد تكون ذاهبة إلى انتخابات نيابية مبكرة في ظل حكومة مؤقتة وربما أقلية. أي أن البلاد ستنتظر مجددا إجراء انتخابات نيابية مبكرة في الخريف المقبل ونتائجها ومحاولات تشكيل حكومة جديدة لتكون البلاد عمليا بقيت من دون حكومة تعكس الشرعية الشعبية منذ الانتخابات الماضية وإلى نهاية العام أي حوالي نصف سنة. لا يقتصر الأمر هنا على عدم الاستقرار السياسي الناتج من الفشل في تشكيل حكومة جديدة، بل إن السجال السياسي الحاد طال العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي حيث تصاعدت الضغوط السياسية على الحزب الكردي الممثل في البرلمان بثمانين نائبا وقام القضاء بفتح تحقيقات حول علاقة الحزب بالإرهاب وعلاقة زعمائه ومنهم زعيمه صلاح الدين ديميرطاش بحزب العمال الكردستاني وبالتالي احتمال رفع الحصانة عن البعض وربما السعي لحظر الحزب. الهدف الأساسي من هذه الضغوط هو إجراء انتخابات نيابية مبكرة في ظل تضعضع صفوف الحزب الكردي وبالتالي الرهان على عدم تحقيق نتيجة عالية مثل التي حصل عليها في الانتخابات الماضية والتي كانت السبب الأساسي في إخفاق حزب العدالة والتنمية. إلى التوتر السياسي المرتفع فإن الاضطراب الأمني والعسكري كان الأبرز منذ سنتين ونصف السنة.إذ لا يمر يوم منذ منتصف تموز/يوليو تقريبا إلا تحصل معارك عسكرية بين مسلحي الحزب وبين الجيش التركي أو القوى الأمنية.والملفت أن المعارك تغطي مساحة كبيرة من تركيا من جنوب شرق البلاد إلى إسطنبول وإزمير ومن البحر الأسود إلى الإسكندرون.كما أن الطائرات التركية قصفت للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وبطريقة عنيفة جدا. في البعد السياسي من الانفجار الأمني أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أعلن أن "عملية الحل" أي عملية المفاوضات مع أوجالان قد انتهت وأصبحت في الثلاجة. اليوم لا يبدو في الأفق أي إشارات إلى انحسار التوتر.إذ إن الأوراق قد انكشفت لدى الجميع.المفاوضات توقفت والأيدي تبين أنها كانت جاهزة للضغط على الزناد سواء من جانب الأكراد أو الدول. والقوى الإقليمية والدولية تنتظر الفرص للاستفادة من انفجار الصراع الداخلي في تركيا. في هذا المناخ أعلنت تركيا أيضاً الحرب على "داعش". ومع أن الأولوية لدى الدولة التركية الآن هي الحرب مع الأكراد فإن الحرب على "داعش" في حال انتقلت إلى حيز التنفيذ الفعلي فإنها سوف تدخل تركيا في أتون مرحلة إضافية من التوترات والاضطرابات السياسية والأمنية والعسكرية. في وقت قد يبدو أن هناك إشارات، ولو خجولة جدا، لبداية حلول ما لبعض الأزمات ومنها سوريا واليمن، تدخل تركيا مرحلة معاكسة من الهدوء إلى العنف والفوضى. وهذا بحد ذاته يستوجب التدقيق في ما يخطط للمنطقة دولة وراء أخرى بحيث لا يقتصر الحريق على دول دون أخرى، وهذا يستدعي بالفعل جهودا جدية ومخلصة بتعاون كل دول المنطقة، من السعودية إلى إيران ومن مصر إلى تركيا وغيرهم، من أجل وقف الحريق الذي بات يلفح الجميع دون استثناء.