11 سبتمبر 2025

تسجيل

ما يحدث في مصر.. أوضح من أن نختلف عليه

15 أغسطس 2013

لولا ما يختزن في ذهني من حقائق، وما أتبصره من دلالات، وما أعرفه من تداخلات الحالة المصرية، وما أرصده من سياقها وسباقها ولحاقها لخدعني ذلك الفلولي بمهاراته ومهنيته في صنع الأكاذيب، والإسناد للإشاعات، ثم استخلاصاته الدموية القاسية والمتهورة، ولصدّقت جزءا من كلامه كان كافيا لتجريم مرسي والمعتصمين السلميين في "رابعة والنهضة" ولتقبلت تبريراته "للبلطجة والانقلاب" على الشعب المصري وثورته.. قلت في نفسي " فكيف إذا سمع هذا الكلام أولئك الذين وصفهم بالبسطاء والطيبين الذين طلب منهم موقفا لنصرة مصر، كما يقول!؟ وأقول: حتى لا يقع هؤلاء (البسطاء..) فريسة لهذا اللئيم وضحية لإشاعاته وترويجاته الفاجرة.. رأيت أن أستحضر أربعة موازين هي أساسة وحاكمة على أقوال وأفعال الناس في الحالة المصرية وفي أي حالة مختلطة مرتبكة أخرى مضت أو قد تستجد في المستقبل ؛ بما يكفل تحصين كل ناظر من خطأ الجهالة أو التسرع أو الانخداع بالغشاشين الكذابين.. هذه الموازين مقررة دينا وعقلا ومنطقا ويفترض أن لا يختلف اثنان على جوهرية الاحتكام لها وموضوعية الاستدلال بها..  الميزان الأول: "قرينة الحال" بمعنى أن الكلام لا يقبل على عواهنه ما لم يصدقه العقل السليم، وما لم تشهد له الوقائع والقرائن.. وإلا فالكلام يجيده كل كذاب ويحسن تنميقه وتزويقه كل منافق.. من الناس كما جاء في الحديث النبوي من هو "ألحن بحجته من الآخر "فيضلل السامع، ولذلك حذر الله تعالى نبيه من أناس قال عنهم (وإن يقولوا تسمع لقولهم) ثم قال (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)، وإن من لحن القول مخاطبة العاطفة واستجاشة المعاني المقدسة لكلام أصله لا يقوم على ساق ولا ينضبط بسياق كما فعل ذلك الشقي الفلولي.. ولنذهب للحقائق والشواهد والقرائن ونسأل عن نوعية الناس الذين يهاجمهم ويبرر قتلهم، ونوعية المقابلين لهم ويدافع عنهم ويبرر جرائمهم ؛ أليس الذين يهاجمهم مصريين؟ أليسوا القائمين الصائمين المصلين الساجدين الراكعين العفيفين والمتعلمين والمثقفين؟ أليسوا الذين يدافعون عن الشرعية ومعاني الاستقلال وكرامة شعبهم وعن الحكم المدني والدستوري؟ ثم أليس الذين يدافع عنهم في الجهة المقابلة هم البلطجية والقتلة والمشردون والذين لوثوا سمعة ميدان التحرير بصور حسني مبارك وبتوزيع البانجو وبالتحرش الجنسي؟ أليسوا هم المتأمركين والمتأسرلين والمتدولرين (يريدون الدولار)؟ أليسوا هم تلك الشرذمة القليلة المتخلفة المنقلبة على الوطنية والديمقراطية وعلى الدولة المدنية وعلى الدستور والقانون؟  الميزان الثاني: "ميزان الثقل الشعبي" فقد أورد البخاري رحمه الله في صحيحه يرفعه عن أنس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (أنتم شهداء الله في أرضه) وإذن فما يراه الناس بمجملهم حقا هو الحق على الحقيقة.. وهذا في جوهره تجسيد لقيمة الديمقراطية وتحقيق لمعنى المساواة والعدل والمواطنة.. وإذن فهل من معه الشعب كمن هو ضده؟ وهل من فاز في الانتخابات كمن خسرها وكمن رفضه الشعب وكمن اعتزل الانتخابات ابتداء كالبرادعي؟.  يقولون: الإخوان فازوا في الصندوق بنسبة ضئيلة وليس بالإجماع! ثم فشلوا وأساءوا فلفظهم الشعب، ويخلصون إلى أنه ليس من الصواب انتظار بقية فترة حكمهم لمجرد أن الصندوق أتى بهم!! وأقول: وهذه الملايين الثائرة اليوم في الشوارع رافضة الانقلاب  أليست تعبر عن رأي عام وعن شعب له موقف؟ ألم يفز الإخوان في انتخابات واستفتاءات متكررة خمس مرات وعلى مدى ثمانية أشهر؟ ألم يكن ذلك تجديدا للثقة فيهم أكثر من مرة؟ أما أن الذين خرجوا في 30 / 6 كانوا ملايين تعبر عن إرادة الشعب المصري فهذه أرقام مبالغة وقد نقضتها القياسات العلمية، وثبت أن جزءا منها كانت صورا ممسرحة ومدبلجة وبعضها مستعار من ثورة الـ 25 يناير، كما نقضتها استطلاعات الرأي الأخيرة التي أشارت لرفض الانقلاب وتقبل عودة مرسي بنسبة 69%).  الميزان الثالث: "ميزان الولاء والبراء" أو بتعبير أبسط " ميزان الصداقات والعداوات " وقديما قيل " قل لي من صديقك أقل لك من أنت " وهنا نسأل: هل السيسي والانقلابيون الذين تدعمهم (إسرائيل) وينسقون معها ومع أميركا كمن تعاديه إسرائيل وأمريكا وتتآمران عليه؟ ومن شاء فليرجع للمقابلة التي أجرتها الـ "بي بي سي" مع اللواء (أيمن سلامة) الذي استمات في الدفاع عن الانقلاب، لكنه وتحت حراجة الأسئلة ووطأة ذكاء السائل اعترف آخر بأن الانقلاب لم يكن بدافع الفشل المزعوم لمرسي ولا نزولا على إرادة الملايين المزعومة والمغشوشة، ولكنه كان من أجل حماية العلاقة مع (إسرائيل) وخوفا من العبث بما اعتبره المعادلات الجيوسياسية معها!! ونسأل: هل الانقلابيون على الحق وهم الذين كان أول قراراتهم محاصرة غزة وقطع شرايين الحياة عنها ؛ أم مرسي الذي كان أول قراراته فتح المعابر وتأدية حق الجوار والعشرة والأخوة الإسلامية والقومية والإنسانية لها؟ وهل الانقلابيون الذين ينسقون مع (إسرائيل) لقصف وقتل أهلهم ومواطنيهم في سيناء، كمرسي الذي أدخل الجيش رغما عنها لسيناء، والذي وقف مع المقاومة في 14 / 11 الماضي وكبح جماح غطرستها؟ وهل الانقلابيين الذين معيتهم الفلول من إعلاميين وسياسيين وفاسدين ومن جيش وأجهزة أمن ودولة عميقة قامت ثورة 25 يناير في الأساس ضدهم ؛ كمرسي الذي معيته القرآن والسنة والثوار الحقيقيون والبسطاء وعامة الشعب وفقراؤه؟  الميزان الرابع " الميزان الأخلاقي " وهنا نسأل: هل يوصف انقلاب السيسي بأقل من الخيانة لقائده، والخيانة لصندوق الاقتراع، والخيانة لليمين التي حلفها يوم تولى موقعه، والخيانة لمهمة الجيش الذي لا يجوز أن ينحاز لغير الشرعية ولا أن يتخلى عن مهمته في حماية الثغور؟ أليس من الخيانة لمصر أن يدخل جيشها أتون الفتنة وموالج الإهانة التي صارت على كل لسان؟ أليس من الخيانة للأكثرية سحق اختيارهم لصالح الأقلية والشرذمة القليلة؟ وأين الأخلاق عندما يستقبح الانقلابيون اليوم ما كانوا يحبذونه وينظّرون لشرعيته سنة كاملة في حكم مرسي، وعندما يقبلون اليوم ما كانوا يرفضونه بالأمس القريب؟ وإذا كانت ثورة الحشود هي التي أسقطت مبارك، وهي ذاتها الآلية التي استخدموها لإفشال وعزل مرسي مضافا إليها جرائم قتل والاعتداءات على القصور الرئاسية وعلى الأملاك الخاصة ؛ ثم يرفضونها اليوم ويطالبون بفضها بدموية ؛ أليس هذا من الكيل بمكيالين الذي نلوم عليه عدونا؟ وهل من الأخلاق في شيء أن يفعلوا ذلك رغم سلمية الاعتصامات؟  آخر القول: موازين الحق كثيرة، وأعتقد أن ما يحدث في مصر وما يتورط فيه الانقلابيون وحلفاؤهم ضد الشعب المصري أكثر دلالة وأوضح من أن يختلف على أنه انقلاب وأنه إسرائيلي بامتياز وأن من قاموا به إنما انحازوا لشرذمة قليلة وافقهم هواهم واستقوت بهم وها هي تمارس كل الموبقات السياسية والقبائح التآمرية ؛ وعند هذا الحد تسقط كل الدعاوى الكلامية والتعبيرات اللغوية مهما كانت بلاغتها وأيا كان قائلها..