10 سبتمبر 2025

تسجيل

مكالمة هاتفية غيرت مصير تركيا

15 يوليو 2023

الإعلامية هاندا فرات صاحبة الاتصال مع أردوغان ليلة الانقلاب تكتب لـ الشرق: مكالمة هاتفية غيرت مصير تركيا لم يكن بالحسبان مطلقا أن يجري ما جرى عشية الخامس عشر من يوليو 2016، لقد كان يومًا عاديًا بالنسبة لنا في البداية. لذلك تركت العمل مبكرا قليلا. تناولت العشاء مع ابنتي وذهبت إلى المنزل مبكراً. بدأنا نفهم أن هناك شيئًا ما يحدث بالفعل مع الرسالة التي تلقيتها على هاتفي بين الساعة 21:30 و22:00. في البداية، خطر ببالنا مباشرة احتمالية وقوع هجوم إرهابي، لأن العالم كله كان يقاتل بالفعل ضد داعش، ولكن في الدقائق التالية، ظهرت تصريحات مفادها أن الأمر لم يكن كذلك تمامًا. بعد ذلك، وعندما كنت أتحدث إلى أحد مصادري - في وقت لم يعرف السياسيون شيئًا عما يدور - قال لي 'السيدة هاندا، هناك نشاط عسكري، قد يستمر حتى الصباح، الوضع مقلق، كونوا مستعدين لحدث خارج سلسلة القيادة، تقرر أن يذهب جميع الموظفين إلى المكتب، غادرت المنزل مباشرة متوجهة إلى مقر عملي لمواكبة التطورات. عندما وصلت إلى المكتب، لم يكن أحد من العسكريين الذين قادوا الانقلاب قد أدلى ببيان بعد. في البداية، جاء الخبر من قيادة الأركان العامة، بدأت طائرات الهليكوبتر بإطلاق النار على المدنيين بمن فيهم مراسلونا المتجمعون أمام المقر، ثم سمع صوت قصف شديد يستهدف المنشآت العسكرية والمقرات الأمنية، وعلمنا أن القنبلة الأولى قد أسقطت على مقر العمليات الخاصة للأمن العام، ثم بدأ بيان الانقلاب يقرأ على قناة تي آر تي التي استولى عليها الجنود. حتى تلك الساعة، حاولت بذل قصارى جهدي في التواصل مع مصادري عبر الهاتف من السياسيين ومدراء الأمن والتنفيذيين والحكومة والمعارضة وجهاز المخابرات الوطني. تمكنت من الوصول إلى السيد حسن دوغان، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الذي كان في مدينة مرمريس مع الرئيس في ذلك الوقت. حتى قراءة إعلان الانقلاب، قمت بنقل المعلومات التي حصلت عليها من حسن دوغان بشكل مباشر على الشاشة. أي أن الرئيس يتابع الأحداث بحساسية شديدة ويؤكد على تمسكه بالديمقراطية، وأنه سوف يدلي ببيان إلى وسائل الإعلام، لكن حتى لحظة قراءة بيان الانقلاب، لم يصل أي تصريح من الرئيس، ولم يدلِ أي مسؤول بتصريح غير رئيس الوزراء بن علي يلدريم، الذي ألقى خطابًا مقتضبا وصف فيه ما يحدث بأنه "محاولة" انقلابية. سادت أجواء من الترقب والريبة حيال ما يجري من عنف لم تشهده أنقرة وإسطنبول، فطائرات الهليكوبتر تفتح النار على المدنيين في جسر البسفور، وتم قصف مديرية الأمن في أنقرة، فقمت بالاتصال بحسن دوغان مرة أخرى وسألته "أين التصريح؟" أجابني: "ألم يصلكم؟"، قلت: "لم يصل لأي من القنوات الوطنية". في تلك الأثناء كانت هناك بعض المزاعم على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الرئيس أردوغان قد هرب واختُطف وقتل، حالة من عدم اليقين الكامل حول سلامة الرئيس وعائلته، فاقترحت أن يتم الاتصال بنا على الهواء مباشرة، وأصررت على ذلك، تفهم حسن دوغان الأمر وعلم أن هناك محاولة لمنع وصول خطاب الرئيس إلى الشعب، لكنه قال يجب أن يسأل الرئيس أولا، مرت دقائق كأنها الدهر، ثم اتصلوا وقالوا "نقبل ذلك". أخبرته بأنه يجب أن يكون الاتصال بالفيديو، وقال: "هل يوجد سكايب؟" فقلت: "كلا، سنتصل عبر برنامج FaceTime. برنامج FaceTime معروف وأستخدمه بكثرة عندما تتصل بي ابنتي "نهر" دائمًا عندما أكون في المدينة أو في الخارج بسبب وظيفتي وتستخدمه ابنتي للتواصل مع صديقاتها. نحن نستخدم تطبيق Face time في منزلنا دائما. هذا الشيء خطر ببالي في تلك اللحظة. لأنني أعلم أن صورة الرئيس مهمة والبيان الذي سيدلي به مهم وكنا نقضي ليلة مخيفة حقًا في تلك اللحظة، بعد أن وافقوا على استخدام التطبيق تم الاتصال وكان في الشاشة حسن دوغان وخلفه السيد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. في تلك اللحظة فكرت بشكل سريع وأخرجت ميكروفون البث المباشر ووضعته أمام الهاتف ليصل صوت الرئيس بوضوح، كانت التغطية مستمرة من إسطنبول، بدأت بالصراخ "يجب على إسطنبول أن تقطع بثها وتنقلنا، دع البث يستمر عبرنا"، بدأ جميع الزملاء بالعمل بشكل سريع واتصلوا بإسطنبول ليقولوا: قوموا ببث هاندا. وفي هذه الأثناء، قمنا بهذا البث من خلال تثبيت الهاتف أمام الكاميرات واستخدام ميكروفون أستوديو البث المباشر. كانت أعصابنا ملتهبة، فمكالمة فيديو FaceTime ليست مكالمة اعتيادية عبر خط الهاتف، وتملكنا القلق من احتمال انقطاعها في أية لحظة. كنت أنظر إلى شاشة الهاتف وأترقب باستمرار. إنها لحظة مهمة للغاية، خطاب الرئيس وتصريحاته الحالية في غاية الأهمية. أخبرني الزملاء عبر سماعة الأذن بأن "القنوات الوطنية في جميع أنحاء تركيا تبثنا بشكل مباشر على الهواء"، في الدقيقة الثانية أخبروني في سماعة بأن "القنوات الإخبارية حول العالم تنقل حوارك مع الرئيس في بث مباشر"، لقد ضاعف ذلك من الضغوط على تماسك أعصابي دون شك، القلق يستبد بي ليس كصحفية فقط، بل كمواطنة، كان ذهني منشغلا على وطني تركيا، أتساءل من أين جاء الانقلاب، ما علاقتنا بالانقلابات التي عانينا منها طويلا في السنوات الماضية؟ قضينا الليلة بأكملها في المكتب. ذهبنا إلى الملجأ في بعض الأحيان، وأرسلنا معظم من كان في المكتب إلى منازلهم فقد كانوا يبكون كثيرا. كانوا خائفين وقلقين على أحبائهم، لكنني أنا وأربعة من أصدقائي كنا في المبنى طوال الليل، حتى انقشع الغبار، بفضل استجابة المواطنين إلى دعوات الرئيس بمواجهة هذه القلة المارقة، واستعادت الدولة زمام الأمور، واستسلم العسكر المغرر بهم وألقوا السلاح. عندما ذهبت إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بي ظهر اليوم التالي، رأيت مئات الرسائل التي وصلتني عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جميع أنحاء العالم، من اليونان وأوروبا وأمريكا، ولكن معظمها من العالم العربي، وكلها رسائل تهنئة حيث أطلقوا على هذا الهاتف اسم "هاتف الحرية". في الرسائل التي وصلتني من الدول العربية كانوا يهنئوننا على شجاعتنا. بعد ذلك، عرض علينا رجل أعمال سعودي، وصحفي ورجل أعمال آخر مبلغ 250 ألف دولار مقابل الهاتف. ثم زاد العرض من أسماء أخرى، وأخيرا اتصل بنا عدد من رجال الأعمال الأتراك وقال أحدهم "السيدة هاندا، رجاءً لا تقومي ببيع الهاتف للآخرين، سنشتريه ونقيمه وفقًا لذلك. "لقد قلتها دائمًا وأقولها مرة أخرى هذا الهاتف ليس للبيع، قيمة هذا الهاتف ليست مادية بل معنوية بالطبع". اليوم وفي الذكرى السابعة لأحداث 15 يوليو، أود التأكيد على شجاعة من تصدوا لهذه الهجمة البربرية، لأن تركيا بلد لها تاريخ في الانقلابات، وفي الحقيقة هذا هو حال المنطقة كلها، لكن لأول مرة في التاريخ المعاصر نشعر بالفخر، لقد رأينا كيف أن أمتنا تهتم بإقرار الديمقراطية، وتتمسك بقادتها المنتخبين وتدافع عن الحرية بالدماء الزكية، التي كلفتنا 251 شهيدا وأكثر من ألفي جريح، وهذا أمر مهم للغاية ومليء بالرسائل. لقد تسببت منظمة فتح الله غولن الإرهابية في آلام رهيبة لنا كأمة مستقلة، صحيح أن نشاطاتها المريبة كانت موجودة في تقارير الشرطة ولجان الأمن القومي لأكثر من 30 عامًا، لكن محاولة الانقلاب تلك كشفت وجهها الحقيقي الذي عبثا حاولت تغطيته خلف قناع زائف من العمل الدعوي والخيري والتعليمي. تواصل حكومة الجمهورية التركية نضالها ضد هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية، وبالرغم من كل هذا، يجب أن نقول إنه في ليلة 15 يوليو 2016، ومع روح الديمقراطية تلك، لا يمكن لأحد أن يفعل أي شيء ضد إرادة الأمة التركية.