15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحلاف المهين (1-2)

15 يوليو 2015

يحتاج المتحدث ليؤكد كلامه إذا كان هذا الكلام مهما، وإذا أحس أن هناك من يكذبه، ويزداد هذا الأمر عند كائفة من الناس احترفت الكذب، وباتت ثقة الناس بها ضعيفة، في هذه الحالة تكون الأيمان مصاحبة لكلامهم يكثرون بها في كل مقال، ولا يلقون لعظمتها أي بال، من أجل ذلك قال القرآن عن هذه الطائفة: (ولا تطع كل حلاف).وجاء وصف الحلاف بعد ذلك بأنه (مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم).وقد اختلف المفسرون في اسم من عنته هذه الآيات فمنهم من قال إنه الأخنس بن شريق، ومنهم من قال إنه الوليد بن المغيرة، وأرى والله أعلم أنه الوليد بن المغيرة، وذلك لأسباب سياقية وروايات تاريخية، فأما السياقية فإن الوليد هو الذي قال عنه القرآن: " إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ".قال ذلك بعد أن أعجب بحلاوة القرآن وقال إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وأن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه.واستمع لنداء قومه بأن يفتري في القرآن فرية يرددونها خلفه، فأشار عليهم بأن يقولوا على محمد بأنه ساحر وأن القرآن أساطير الأولين، ولذا تناغمت آيات سورة القلم مع المدثر في هذا السياق.أما الروايات التاريخية، فإنها تقول إن الأخنس بن شريق أعلن إسلامه، وكان من المؤلفة قلوبهم، قال ابن سعد في الطبقات ص294: "وأسلم الأخنس بن شريق يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم، توفي في أول خلافة عمر بن الخطاب، ولم يحفظ عنه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم".وقال ابن حجر: "الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي أبو ثعلبة حليف بني زهرة اسمه أبي وإنما لقب الأخنس لأنه رجع ببني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا بالعير فقيل خنس الأخنس ببني زهرة فسمي بذلك ثم أسلم الأخنس، فكان من المؤلفة وشهد حنينا ومات في أول خلافة عمر" الإصابة" (1/81-82). وينظر "أسد الغابة" (1/60.ويرد ابن حجر على ابن عطية الذي يشكك في إسلام الأخنس فيقول: "وذكر ابن عطية، عن السدي أن الأخنس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وقال الله يعلم أني صادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم من المسلمين فحرق لهم زرعا وقتل حمرا فنزلت (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) إلى قوله (ولبئس المهاد).وقال ابن عطية: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم.قلت: "قد أثبته في الصحابة من تقدم ذكره ولا مانع أن يسلم ثم يرتد ثم يرجع إلى الإسلام والله أعلم".ومهما يكن من أمر المعني بلقب الحلاف المهين، فالقرآن لم يعين الشخص وإنما عين الصفة التي تحدث عنها في سياقات متنوعة سوف نعرض لها ولنماذجها من القرآن والسنة في اللقاء القادم إن شاء الله.