15 سبتمبر 2025
تسجيلالتحول في المواقف هو شعار الحزب الجمهوري ومرشحيه عبر تاريخ الحزب الذي يمتد لأكثر من 150 عاما، ومن ثم لا يمكن المراهنة على فوز الجمهوريين (المحتمل) في الانتخابات الرئاسية القادمة لبناء توقعات محددة حول موقف الإدارة الأمريكية مما يجرى فى الشرق الأوسط.فقد تأسس الحزب الجمهوري عام 1854 من قبل ناشطين تلخصت قضيتهم فى مكافحة العبودية ومقاومة انتشار ظاهرة الرقيق، وعلى هذا الأساس نجح المرشح الجمهوري الأبرز إبراهام لينكولن في الوصول إلى السلطة عام 1860، ليخوض حربا ضد الانفصاليين المعارضين لبرامج الحزب الخاصة بإلغاء الرق وترسيخ حقوق متساوية للمواطنين الأمريكيين. وعلى الرغم من الدور التاريخي للحزب الجمهوري فى مجال الحريات المدنية، إلا أن اهتمام الحزب تحول عن هذا الملف تدريجيا، إلى التركيز على حقوق أرباب الأعمال وحمايتهم عبر فرض الرسوم الجمركية المرتفعة. وتدريجيا أصبحت الإجراءات الحمائية وليس الحقوق المتساوية هي السمة المميزة للحزب الجمهوري. ولكن سرعان ما تضاعفت الرسوم الجمركية لصالح قطاع الأعمال الخاصة والشركات الكبيرة، حتى أصبحت الصفة المميزة للجمهوريين هي الانحياز للأغنياء. من ناحية أخرى فإن الارتباط التقليدي بين الحزب وبين المواطنين من ذوي الأصول الإفريقية قد انفصم بدوره منذ البدء بتطبيق سياسات "العهد الجديد" التي دشنها الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت، إذ استفاد السود من برامج التشغيل التي أطلقتها الحكومة الديموقراطية، فضلاً عن برامج الإغاثة والرعاية الاجتماعية التي انتشلت الكثير منهم من تبعات الكساد الكبير. من جانبهم اعتبر الجمهوريون أن سياسات روزفلت تضفى طابعا اشتراكيا على الولايات المتحدة، ودعوا الشعب الأمريكي لنبذها، ولكن الأمريكيين صوتوا لصالح روزفلت مرة ثانية عام 1936، وثالثة عام 1940 ورابعة 1944، وبعد روزفلت فاز الديموقراطي هاري ترومان، ما ترتب عليه أن ظل الجمهوريون بعيدين عن الرئاسة لمدة 20 عاما.وخلال تلك الفترة بدأت بوادر تحالف الجمهوريين مع المحافظين، وتحول مركز ثقل الحزب إلى الجنوب الأمريكي بعد أن كانت معاقله التقليدية فى الشمال. وبحلول ستينيات القرن العشرين تحول الحزب بشكل صريح لتمثيل النخب الأمريكية من الـ WASP (White Anglo-Saxon Protestants). الأمر الذي ساهم في زيادة الانفصال بين الحزب وبين مناصريه التقليديين من السود. حتى إن الإحصائيات تشير إلى أنه فى فترة الثمانينات والتسعينيات (من القرن الماضي) كانت نسبة السود الذين يصوتون للحزب الديموقراطي لا تقل عن 90 %. وكانت درة تاج هذا الانفصام أن أتى ترشيح ومن ثم فوز أول رئيس أسود للولايات المتحدة من بين صفوف الحزب الديموقراطي وليس من بين صفوف الجمهوريين.ولم يكن هذا هو التحول الوحيد فى تاريخ الحزب، فثمة تحولات أخرى شهدها فيما يتعلق بموقفه من التدخل الخارجي، فقد تبنى الحزب سياسات تدخلية في الفترة من 1890 وحتى العام 1916، ثم تبنى مواقفا انعزالية في سياسته الخارجية خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وخلال هذه المرحلة كان الحزب الديموقراطي هو صاحب الصوت الأعلى فيما يتعلق بتأييد التدخل الخارجي، حتى إن قرار التدخل ضد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية حمل لواءه بالأساس الديموقراطيون وليس الجمهوريون. ولكن عاد الحزب إلى تبني أجندة تدخلية مع تولى الجمهوريين دوايت أيزنهاور، وريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، وأخيرا مع كل من جورج بوش الأب والابن. في الانتخابات الرئاسية المقبلة تتنوع مواقف المرشحين الجمهوريين من التدخل الخارجي، فالبعض مثل "تيد كروز"، يعدون بالتدخل القوى فى الشؤون الدولية، فيما يتمسك البعض الآخر بما يسميه الخط الأصلي للحزب الجمهوري، ممثلاً في مبدأ عدم التدخل، وأبرز من يعبرون عن هذا الاتجاه المرشح "راند بول".من تناقضات الحزب أيضا موقفه مما يسميه الحكومة الكبيرة، فعلى الرغم من أن الخط التقليدي للحزب ينادي بتقليص الحكومة، ويطالب بأن تكون محدودة الصلاحيات، فإن الحكومة الفيدرالية قد شهدت توسعا وتضخما غير مسبوق فى حجمها في عهد الجمهوريين، وأبرزهم جورج بوش الابن، كما أن الحزب الذي ينادي بتشجيع قطاع الأعمال الخاصة، والتعويل على اقتصاد السوق الحر وتقليص نفقات الحكومة، قد تورط في العديد من الصفقات الخاسرة وورط البلاد في حروب خارجية لم تعد بالنفع سوى على طائفة قليلة من الرأسماليين المشتغلين في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار. من التناقضات الواضحة أيضا في مواقف الجمهوريين أنه في الوقت الذي يصرون فيه على أن للحكومة أن تتدخل فى حياة الناس الخاصة لتنظيم أخلاقياتهم، (من خلال تشريعات لتجريم الشذوذ والإجهاض على سبيل المثال)، إلا أنهم على الجانب الآخر يرون أن مجال الأعمال الخاص يشكل مساحة مقدسة، ينبغى أن يترك للأفراد إدارتها على نحو كامل من دون اي تدخل أو توجيه من الحكومة. لكل هذه التناقضات يمكن القول إن وصول الجمهوريين للبيت الأبيض لا يسمح بصياغة توقعات محددة حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، فقد تكون تدخلية وقد تكون انعزالية، وقد تتبنى نشر الديموقراطية وقد تراهن على الأنظمة الاستبدادية، وقد تتعاطى على نحو إيجابي مع التجارة الحرة عبر العالم، وقد ترتد إلى ممارسة سياسات حمائية.ولهذا يحسن ان يدرس كل مرشح جمهوري على حدة، فلا توجد خطوط عامة يمكن أن يصنف في إطارها كافة المرشحين الجمهوريين. فقط دراسة برنامج كل مرشح على حدة ودراسة مواقفه من المنطقة هي ما قد يفيد في بناء تصورات حول السياسة الخارجية الأمريكية فى المرحلة المقبلة، كل ذلك على افتراض أن ساكن البيت الأبيض فى يناير القادم سيكون جمهورياً.