17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لكل أمة من الأمم أعياد تتخفف فيها من أعباء الحياة , فتروِّح بها عن نفسها وتجدد من خلالها قدرتها على البذل والعطاء ومواجهة التحديات ، وحب الأعياد فطرة انسانية فطرالله الناس عليها وقلما نجد أمة من الأمم أو مجتمعا من المجتمعات لايجعل لنفسه أعيادا يفرح فيها أو أياما يروح فيها أفراده عن متاعبهم وجِدهم وكدهم بالأداء الجماعي لبعض الفنون أوالطعام الشهي اللذيذ أو الغناء الجميل واللهو البريء الذي لايخدش عرضا ولا يقتحم كرامة ولا يمس حرمة . فالترويح عن النفس حاجة إنسانية ضرورية لاستمرار الإنسان . والأعياد تميز الأمم والشعوب فلكل أمة من الأمم أعيادها وأفراحها وفنونها , والأمة الإسلامية ميزها الله بيوم الجمعة كعيد أسبوعي تسعد فيه الأرواح بالصلاة والدعاء والابتهال وتسعد فيه الأبدان بالتواصل واللقاء , وميزها بعيد الفطر الذي يعد عيدا للحرية والتشريع ومكافأة للصائم العابد الملتزم في شهر رمضان الفضيل وعيد الأضحى الذي يعد رمزا للوحدة الإسلامية وتعبيرا عنها . يقول أنس بن مالك رضي الله عنه " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم – أي الأنصار – يومان يلعبون فيهما فقال : قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى " ولقد أتاح الإسلام للمسلمين في هذين اليومين اللهو البريء ترويحا عن النفس وتسلية لها , قالت عائشة رضي الله عنها – فيما رواه أحمد والشيخان أن الحبش كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد , فاطلعت من فوق عاتقه , فطأطأ لي منكبيه , فجعلت أنظر اليهم من فوق عاتقه حتى شبعت وانصرفت " .وفي الصحيحين عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث , فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال لي أمزمار الشيطان عند رسول الله فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعهما , وقد علق ابن حزم على هذا الحديث فقال " فصح أن الغناء مباح مطلق لا كراهية فيه وأن من أنكره بالكلية فقد أخطأ بلا شك ". والترويح على النفس يقره الإسلام لأنه ينظر إلى الإنسان كجسد وروح ولا يهمل أيا منهما , ويستوعب حاجة الإنسان إلى اللهو البريء واللعب , كما يستوعب حاجته إلى العمل والجد والإنجاز , والإسلام يحث على الزينة وتلمس الجمال في غير سرف ولا مباهاة , وفي القرآن الكريم نقرأ قول المولى عز وجل " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون " ( النحل : 8) وقوله تعالى : " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " الاعراف : 31) .فالإسلام يمقت التقوى المرهقة القاسية و التزمت والتشدد وقهر الفطرة الإنسانية , وينحو في كل أحكامه وفرائضه وتعاليمه نحو اليسر فيفرض الوضوء طهارة ثم يردف الحكم بالحكمة " مايريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " (المائدة : 7 ) ويفرض الصلاة ثم يبين الغاية " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " ( العنكبوت : 45 ) ويفرض الصيام ثم يقرر أن الأصل هو التيسير , وهو من أهم القواعد العامة التي يقوم عليها الإسلام . ولأن الإسلام دين ينحو نحو الجمال فقد اقتضت أحكامه أن يختار للأذان صاحب الصوت الجميل , وفي الإمامة الأفضل وجها إذا توافر عدد من الأئمة في نفس الوقت وبنفس الشروط . ولقد ابتليت الأمة الإسلامية بطائفة من العلماء المتشددين الذين حرموا اللهو البريء والغناء والموسيقى على إطلاقها دون أن يقدموا أدلة واضحة من الكتاب والسنة , وقدعلق الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله – على هؤلاء بقوله " ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات .." ويستطرد – رحمه الله – فيقول " ولقد تعقب الذين قالوا بحل الغناء والموسيقى جميع أدلة القائلين بالحرمة وقال : إنه لم يصح منها شيء " ( مجلة الازهر – اكتوبر 1961)وهكذا ينبغي أن يكون العيد تأكيدا لبهجة الحياة فيأخذ المسلمون فيه زينتهم ويعلنون عن أفراحهم وابتهاجهم برضا خالقهم , وينعمون فيه باللهو البريء واللعب واستماع الأغاني والموسيقى الجيدة التي لاتخدش الحياء ولا تتعدى بكلماتها على الدين ولا تثير الغرائز والشهوات , فالغناء شأنه شأن غيره من الأفعال قبيحه قبيح وحسنه حسن وكذلك تناول الطيبات في غير سرف ولا خيلاء .فيفرحوا ويمرحوا , والفرح هنا له قدسية , لأننا نفرح بأمر الله فكما أن الصوم فريضة بأمر الله وكما أن الجد في مواضعه مطلوب بشرع الله , فإن الصيام يوم العيد حرام , واستثارة الأحزان فيه كذلك حرام , فالله يعبد بإشاعة الفرح والسرور وتألق البهجة في عيون المسلمين كما يعبد بالجد في معالي الأمور , وكثير من المسلمين لم يلتفت إلى هذه الحقيقة فجعل حياته كلها جدا وغلظة وقسوة وأغلق على نفسه وعياله كل أبواب البهجة والسرور , بينما ذهب البعض الآخر في الاتجاه المعاكس فعب من الشهوات عبا وانطلق في حياة صاخبة معربدة متحللا من كل القيم الإسلامية السامية مرتميا في أحضان الرذيلة واللهو الفاحش مشبعا رغباته بكل الوسائل والسبل دون التفات إلى حلال أو حرام . وهؤلاء وهؤلاء جانبهم الصواب فالذين حرموا أنفسهم بهجة العيد وأفراحه البريئة خالفوا شرع الله والذين تحللوا من قيم الإسلام تجاوزوا حدوده . ولا ننسى أن الإسلام دين يسر لا عسر وعليه ينبغي أن نراعي حدود الله ولا نستزيد من القيود ولا نحمل أنفسنا مالا تطيق ولا نكرهها على التزمت والتشدد ولا ننسى أن الله قد زكى فينا حبنا للجمال وفتح أعيننا على نعمه الكثيرة وأمرنا بتناولها وتلمسها وشكره عليها (و أما بنعمة ربك فحدث ). والعيد فرصة للتواصل والتراحم ودعوة للتوادِّ والتسامح بين الأفراد والأسر والعائلات .