10 سبتمبر 2025

تسجيل

ظاهرة الإرهاب وإفلاس النظام الدولي (1)

15 يونيو 2019

الإرهاب ظاهرة القرن الحادي والعشرين بامتياز. أصبح سلاحا مهما يستعمل في السياسة الدولية كما في المطالب الداخلية على مستوى كل دولة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك منظمة الباسك في اسبانيا وجبهة تحرير كورسيكا في فرنسا والجيش الإيرلندي الجمهوري في إيرلندا، والقائمة طويلة. وبذلك أصبحت قوى عديدة ومختلفة تستعمل الإرهاب وتمارسه لتحقيق أهدافها ومطالبها ومما زاد الأمر خطورة ما يلي: أن العناصر الإرهابية تستغل مبادئ حقوق الإنسان واللجوء السياسي وتستعمل بعض الدول وخاصة الأوروبية منها كقواعد خلفية لجمع المال وتهريب الأسلحة المختلفة، وتبييض الأموال وبيع المخدرات وغيرها وهذا لجمع الوسائل اللوجيستية للقيام بأعمالها الإرهابية والتخريبية أضف إلى أن وسائل إعلام هذه الدول- وخاصة الغربية منها- تفتح قنواتها الإعلامية المختلفة لهؤلاء الإرهابيين للتجريح والشتم والقذف في بلدانهم باسم الحرية وحقوق الإنسان. ففي السنوات الأخيرة نجد دولا عريقة في الديمقراطية وعانت الكثير من ويلات الإرهاب تؤوي الإرهابيين باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان واللجوء السياسي. وهكذا أصبحت لندن وباريس وبروكسل وبون وواشنطن من العواصم المحبذة للشبكات الإرهابية تأخذ منها قواعد خلفية من أجل تجميع الأموال والسلاح وكل الوسائل الضرورية واللازمة لتنفيذ عملياتها. ونلاحظ هنا أن العديد من الأفغان العرب استقبل بالأحضان في هذه العواصم وغيرها رغم الاحتجاجات المتكررة لدول مثل مصر والجزائر التي عانت الكثير من ويلات الارهاب خلال السنوات الأخيرة. أما بالنسبة لمعايير تصنيف الإرهاب، فنجد الولايات المتحدة الأمريكية تتفنن كل سنة في إصدار قائمة بالدول الإرهابية مثل السودان وسوريا وليبيا واليمن وإيران… الخ، وتتجاهل الربيبة إسرائيل التي تتفنن دائما وتبدع فيما يسمى بإرهاب الدولة وإسرائيل كما لا يخفى على أحد انها تمارس الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني وضد كل ما هوعربي وإسلامي خارج فلسطين. وهنا نلاحظ دائما انحياز الغرب وإعلامه لإسرائيل ولكل ما هوغربي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هوعلى أي أساس يتم تصنيف الدول بأنها إرهابية وتساند الإرهاب وما هي المقاييس التي تستعملها الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول في الحكم على هذه الظاهرة. الدول العظمى الفاعلة في النظام الدولى تستعمل الإرهاب علنا سواء ضد الحركات المناهضة والرافضة للنظام داخل الدولة نفسها ويستحضرنا هنا اغتيالات الزعماء الأمريكيين السود أمثال «مالكم إكس» و»مارتن لوثركينج» وغيرهما من زعماء « البلاك بانترز» أو على المستوى الدولى حيث انها تحاصر وتضايق الدول التي تخرج عن طاعتها وتقف أمام مصالحها وهنا نلاحظ التناقض الصارخ على مستوى العلاقات الدولية والدبلوماسية، حيث الكيل بمكيالين واستعمال الإرهاب كوسيلة من وسائل الدبلوماسية والتواصل وتجدر الإشارة هنا الى أن « الأفغان العرب « قد تدربوا في أفغانستان بإشراف وكالة المخابرات الأمريكية وبتزكية من بعض الدول وبقيادة تنظيم إرهابي لمحاربة الشيوعية والإطاحة بالاتحاد السوفييتي باسم الإسلام، وعندما انتهت مهمتهم وكللت بالنجاح أرسلوا إلى دولهم للجهاد والإطاحة بالأنظمة القائمة لتأسيس الجمهوريات الإسلامية. والعديد من المختصين والباحثين يتساءلون اليوم/ من وراء القاعدة والنصرة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها. أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية يمارس داخليا ودوليا للضغط على الرأي العام المحلى والعالمي لتبني مطالب الفئات المهمشة والمحرومة والمضطهدة. فأمريكا التي تعد العدة هذه الأيام لمحاربة الإرهاب الدولى توجد بها أكثر من 150 منظمة متطرفة. وقد يتساءل الفرد هنا ما هي أسباب الإرهاب؟ ولماذا يلجأ الأفراد أو الجماعات إلى استعمال الإرهاب كوسيلة للتفاوض ووسيلة للعمل السياسي والدبلوماسي. ان استعراض الأسباب والعوامل التي تفرز الإرهاب لا يعني محاولة تبريره وإيجاد حجج لانتشاره وتوسعه في العديد من المجتمعات وإنما الهدف تحدد طبيعة الظاهرة التي لم توجد هكذا من العدم وإنما هناك دائما أسباب وآليات لأي ظاهرة من الظواهر سواء كانت اجتماعية أم سياسية أم غير ذلك. تتعدد أسباب الإرهاب وتختلف حسب ظروف وطبيعة كل مجتمع، وظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة ومتشعبة، الوقوف عند أسبابها وأبعادها ليس بالعملية السهلة. فالإرهاب ظاهرة تعكس وضعا غير سوي في المجتمع يكون في معظم الأحيان تعبيرًا عن الاستياء والتهميش والاقصاء والتنكر للواقع وللقيم السائدة في المجتمع. فهو إذا ظاهرة لا تؤمن بالاخر ولا تؤمن بالحوار ولا حتى بالقيم الإنسانية. الإرهاب يكون بعيدا كل البعد عن المنطق والبصيرة ويؤمن بالنفي الكامل لجميع القيم الأخلاقية. فالعقلية الإرهابية إذا تجد مصدرها في رفض ما هو موجود في المجتمع والثورة عليه، وتتسم بالكراهية والحقد والإنكار الأخلاقي لكافة القيم. ومما زاد في تعقيد الظاهرة وتشابك أطرافها استعمال الإرهاب من قبل بعض الدول للإطاحة بدول أخرى أو تقويض عمليتها التنموية وتطورها والحد من عملها الدبلوماسي ونشاطها السياسي على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو الدولي… إلى آخر ذلك. وقبل التطرق إلى أسباب الإرهاب يجب الوقوف عند أهدافه، ففي غالب الأحيان تلجأ الجماعات السياسية التي تفشل في الوصول الى الحكم والسلطة والتأثير في القرار السياسي بالطرق السياسية المعروفة إلى استعمال العنف والتطرف للتعبير عن استيائها وعدم قبولها بالأمر الواقع. فالإرهاب إذا أصبح نوعًا من التعبير السياسي الذي يعكس فشل تنظيم معين في التأقلم والتفاعل مع المجتمع بمؤسساته. وتعود أسباب الإرهاب إلى عوامل عدة داخلية وخارجية. فبالنسبة للعوامل الداخلية تمر العديد من دول العالم بتغيرات جذرية ومهمة فرضتها الظروف التي تمر بها المنظومة الدولية مثل انهيار الشيوعية والكتلة الاشتراكية وبذلك زوال القطبية الثنائية وظهور مؤشرات نظام عالمي جديد لم تتحدد معالمه بعد لكن تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بمقاومة شديدة وصراع كبير من قبل المجتمع المدني العالمي ومعظم الدول في العالم حتى بعض الدول الفاعلة على الساحة الدولية. أضف إلى ذلك أن معظم التجارب التنموية في العالم الثالث الذي يضم أكثر من 75% من سكان العالم فشلت ولم تحقق الأهداف المرجوة منها مما عمق الهوة ما بين الدول المتقدمة، المستعمرة ( بكسر الميم) سابقا والدول المتخلفة، المستعمرة ( بفتح الميم )، كما أدى فشل المشاريع التنموية داخل دول العالم الثالث إلى اتساع الهوة بين الفئة القليلة جدًا التي تتقاسم ثروات البلاد وعامة الجماهير التي تعاني يومًا بعد يوم من الفقر وصعوبة تأمين لقمة العيش اليومي. فأسباب الإرهاب في الدول النامية تتحدد في عوامل سياسية، ايديولوجية، اقتصادية، ثقافية، واجتماعية. فالمشاكل التي ظهرت على هذه المستويات مجتمعة أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب ورفض الاخر، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الدولى فهنالك بعض الدول تعمل على إيواء الإرهابيين والبعض الاخر يعمل على استعمال الإرهاب لإضعاف بعض الدول النامية والقضاء على معنوياتها ونشاطاتها حتى يتحكم في مصيرها كما يشاء، أما النوع الثالث فهي تلك الدول التي تمارس إرهاب الدولة مثل الكيان الصهيوني وهذا حتى يضمن بقاءه ويقضي على كل من يقف في طريقه. فالأسباب إذا عديدة ومتشابكة منها ما هو محلى ومنها ما هو دولى ومنها ما هو ايديولوجي ديني ومنها ما هو اقتصادي. في مقال الأسبوع القادم سنستعرض بمشيئة الله هذه الأسباب. [email protected]