17 سبتمبر 2025
تسجيلشيء ما، سياسياً وأمنياً، يحضر في لبنان أو يحضر له.. بقراءة سريعة لمجريات الأحداث والتطورات المتلاحقة على الساحة السياسية الداخلية بعد سقوط بلدة القصير السورية، نجد أن مستوى غير مسبوق من الخطوات التي تترجم تهديداً مباشراً ما، يشير إلى أن الأزمة اللبنانية بدأت تخرج من غرفة الإنعاش التي دخلت عقب إسقاط حكومة سعد الحريري العام 2010. ثم تفاقمت الأزمة مع انطلاق شرارة الأحداث في سوريا.. اليوم بات الوضع مختلفا للغاية.. اليوم لم يعد لبنان مكشوفاً أمنيا فحسب، وإنما سياسي ودستوري، وانهيار المؤسسات الدستورية بدأ يضرب الواحدة تلو الأخرى. نوع من الموت البطيء أو التفكك الصامت يعيشها الكيان اللبناني.. هي حرب من نوع آخر ربما لا يلحظها المراقب من بعيد الذي سيجد فجأة أن لبنان تلاشى وذاب تماما في المحيط الذي ينخر في تربته الداخلية. هذا المنحى الذي يتجلى وضوحاً لدى اللبنانيين ترجمه بالأمس رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ففي بيانه الأخير قال الحريري إن "ما يواجه لبنان في المرحلة الراهنة، يقترب من حافة الخطر الوجودي ويهدد رسالة لبنان وقيم التنوع الثقافي والمذهبي في العمق، الأمر الذي يحملني على دق ناقوس الإنذار". من حيث المضمون، ما قاله الحريري هو أمر تدركه القوى السياسية التي لكل منها حساباتها الخاصة ورؤيتها المختلفة للواقع السياسي وآليات الحل وفق هذه الحسابات. على صعيد المؤسسات الدستورية، مجلس النواب جدّد لنفسه دون الرجوع للشعب الذي انتخبه، والطعن الذي تقدمت به كتلة الجنرال عون إلى المجلس الدستوري للطعن على تجديد البرلمان لنفسه لم تترجم عملاً قانونياً بعد، إذ تخلف ثلاثة من أعضاء المجلس عن الحضور لأسباب توصف بالسياسية، وبالقانون أيضاً يعتبر تخلف أعضاء من المجلس الدستوري عن الحضور سقوط عضويتهم في المجلس وضرورة انتخاب ثلاثة أعضاء بدلاء.. يعني التفكك في مؤسسة لينتقل إلى مؤسسة أخرى. رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يوصف بالمستقل والحيادي، يترجم هذا القلق بين الفينة والأخرى ويحاول اتخاذ إجراءات يراها مناسبة لحماية الكيان اللبناني. من ذلك، السابقة العربية في تقدم دولة عربية بشكوى إلى مجلس الأمن ضد دولة عربية أخرى، إذ بات معلوماً أن إرادة رئاسية لبنانية بتوجيه رسالة تتضمن شكوى مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي عن طريق بعثة لبنان في نيويورك، رداً على رفض وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور المحسوب على الثنائي الشيعي "حزب الله-أمل" الالتزام بمضمون الطلب الذي وجهه إليه سليمان.. الشكوى مقدمة ضد الخروقات السورية من قبل النظام السوري والمعارضة للحدود اللبنانية لاسيَّما بعد قصف طائرة حربية سورية ساحة بلدة عرسال اللبنانية على الحدود مع سوريا وتكرار الخروقات بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة. في الموضوع الحكومي، لا تزال الأمور على حالها منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وكل ما حكي عن خروقات داخل جدار الأزمة باءت بالفشل، وعادت الأزمة إلى المربع صفر حيث كل التشكيلات المعروضة لم تلق القبول من الأطراف السياسية مثل حكومة مثالية أو حكومة مصغرة أو حكومة تكنوقراط تدير الانتخابات فقط أو حكومة حيادية لا تستفز أحدا.. بل بدأ الحديث عن رغبة جدية باعتذار الرئيس المكلف عن المهمة أو السير بحكومة أمر واقع، وهذا ما حذر منه حزب الله إذ يعتبره خرقاً للخط الأحمر الموضوع داخلياً. وهكذا تعجز حكومة تصريف الأعمال عن القيام بعمل الحكومة الأصيلة، ولا أمل بولادة حكومة جديدة في المستقبل المنظور. ولعل الأزمة بين رئيس الجمهورية والحكومة المستقيلة مع وزير الخارجية عدنان منصور يكشف خطورة البقاء دون حكومة أصيلة. خطوة الرئيس سليمان، أثارت الحنق الشديد لدى قيادات وتيارات قوى 8 آذار، من هؤلاء الوزير السابق سليمان فرنجية المحسوب على النظام السوري والداعم المطلق للرئيس بشار الأسد فقد وجه الأخير اتهاماً لرئيس الجمهورية يصفه بما يشبه الخيانة، فقد تساءل كيف أن الرئيس سليمان لا يستنكر الخروقات الإسرائيلية شبه اليومية للبنان في حين يتأفف من الخروقات السورية للأرض اللبنانية. وهذا كلام فيه إجحاف بحق الرئيس سليمان الذي يحاول أن يمارس دوره رئيسا للدولة اللبنانية وهو أكثر من معتدل في التعاطي مع الأزمة السورية حيث دعا لبنان بالفعل للنأي بنفسه تماما شعبا ودولة وأحزابا عما يجري في سوريا، لأن لبنان بكل قواه لا يمكن له أن يغير في المشهد السوري شيئا.