14 سبتمبر 2025
تسجيلقد يكون ما قاله رئيس الجمهورية لصحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في الثالث عشر من الشهر الجاري مفتاحاً لتشخيص الحالة الراهنة التي يعيشها لبنان الدولة والمجتمع اليوم.. الرئيس سليمان في معرض رده على سؤال طُرح حول سوريا قال: "الحريق قرب بيتي، يعني أنه قد يصل إليّ.. أكيد أنا خائف عليها". سليمان الذي انتهج لنفسه خطّاً بعيداً عن الانقسام العامودي في الحياة السياسية اللبنانية، التي قسمت الشارع إلى فسطاطين منذ 14 فبراير 2005، تاريخ اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، هما فريق 14 وفريق 8 آذار، يعلم أن الوضع خطير للغاية لأنه ينظر من مسافة قريبة إلى المستقبل القريب، أكثر من المكان الذي يقف عليه فريقا 8 و14 آذار الذي وصل الصراع بينهما فيما مضى حدّ الانفجار، تمثل بأحداث السابع من مايو عام 2008 حين اجتاح حزب الله بيروت، حاسماً المعركة عسكرياً مع خصمه، قبل أن يذهب الطرفان إلى "اتفاق الدوحة"، تحت وطأة الهزيمة لقوى 14 آذار ، ونشوة النصر لقوى 8 آذار. وكان لذلك تأثيره على ما تمّ التوافق عليه في الدوحة، إذ ما لبث أن نفض الطرفين أياديها من "اتفاق الدوحة" لتعود الحياة السياسية إلى تأزمها من جديد. لبنان اليوم مأزوم سياسياً، ولم تكن دعوة الرئيس سليمان، الذي نأى بنفسه عن هذا الانقسام، إلى الحوار الوطني الجامع سوى محاولة لنزع فتيل القنبلة الموقوتة. وما الانسجام الذي ولد بين الرئيس سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أول من رفع شعار الوسطية السياسية في لبنان، وانتهجها ثقافة في العمل السياسي إلا لبنة صلبة جذبت إليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بغض النظر عن موقفه من الأزمة السورية، حيث ابتعد الأخير عن 8 آذار دون أن يعود إلى حضن 14 آذار ، فكان في منزلة بين المنزلتين جاءت أقرب إلى محطة الرئيسين سليمان وميقاتي. هذه البنية الصلبة نسبياً، والتي تأسست على عجل، ودون تخطيط مسبق من أعضائها، شجعت الرئيس سليمان للدعوة إلى طاولة حوار. نجحت طاولة الحوار في جمع خصوم اليوم والأمس، تبادلا أطراف الحديث، ووزعا الابتسامات أمام عدسات الكاميرا، صامين آذانهم عن صدى صوت القنص القادم من أحياء طرابلس وعمليات الخطف المتبادل بين القرى اللبنانية على خلفية الولاء والخصومة للنظام السوري.. ما يحدث في سوريا محرقة، والحريق قاب قوسين أو أدنى من لبنان، كما قال الرئيس سليمان، بعد أن أكد مسؤول أممي أن سوريا انزلقت إلى حرب أهلية. ولبنان الخاصرة الرخوة في المنطقة هو أول من ستصله حرارة الحمى التي يلفظها البطن السوري، مهما حاولنا أن نشيح بأنفسنا عن ألسنة لهبها. نجح الرئيس في الدعوة للحوار وتحريك الماء الراكد، لكن هل نجح في سحب فتيل التفجير؟ سؤال كبير والإجابة عليه فيها الكثير من المجازفة لمن يتحرى الصدقية والمصداقية... الفرقاء السياسيون في لبنان مراهقون، ولا يدركون حقيقة اللهب القادم وقد أخذتهم نشوة الحراك، فأرادوا تجييش الشارع، أملاً في استباق ما سيهلّ به الوضع السوري على لبنان، لكن المجتمع اللبناني المتآكل بفعل الحقن الطائفي اليومي والرازح تحت نير الصعوبات الاقتصادية، يغلي صدره حنقاً وغيظاً على الجميع ما يؤجج الصراع ويجعله مفتوحاً على المجهول. الحقيقة أن الرئيس سليمان أطلق صرخة لم يتلقفها المعنيون بجدية، ولم يأخذوها على محمل الجد، لأنهم يعتقدون أنهم أتقنوا لعبة الموت والنجاة منها في كل مرة بمكسب جديد، مهما ارتفعت نسبة الأدرلين في عروقهم.. وظني أن هذا المرّة قد تكون المحرقة التي ستحرق البلد بمن فيه، والأمر لا مبالغة فيه، ومن يقارن سوريا اليوم بما كانت عليه قبل عام ونيف، يعلم أن لا شيء بعيدا ولا شيء مستحيلا..فهل يتعظ المعنيون؟ نرجو ذلك!