18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); دروس كثيرة كشفت عنها نتائج الانتخابات البلدية لمدينة بيروت، وربما تكون هناك دروس أخرى تكشف عنها نتائج انتخابات المحافظات الأخرى في قادم الأيام. لعلّ أهم الدروس وأبلغها بروز حالة اليأس والإحباط التي أصابت اللبنانيين ومنهم أبناء مدينة بيروت من الحال الذي وصلت إليه أوضاعهم على مختلف الصعد، تم التعبير عن ذلك بتدني نسبة التصويت التي لم تتجاوز 20% من مجموع الناخبين. لكن درسًا آخر حرص الجميع على تجاهله، وهو أن الانتخابات كشفت عن توق كبير لدى اللبنانيين لتأييد خيار ثالث. فالنتيجة "الباهتة" التي حققتها اللائحة التي هندسها الرئيس سعد الحريري وجمع فيها معظم الأحزاب السياسية الفاعلة في بيروت، لم تأت فقط جراء عدم التزام ناخبي بعض الأحزاب المسيحية بالتصويت لها. بل أيضًا عن ضجر شريحة واسعة من البيروتيين من سياسة الفرض والإسقاط التي تهبط عليهم عند كل استحقاق انتخابي، التي تضرب عرض الحائط بمصالحهم وتوجهاتهم وما يريدون وتسحق تطلعاتهم. في المقابل، فإن حجم الأصوات الكبير نسبيًا الذي نالته اللائحة المقابلة والتي لم تحظ بأي غطاء سياسي كان معبرًا عن حجم هذا الاستياء، والرغبة المستميتة بالتغيير ولو كان هذا التغيير دخولًا في نفق مجهول النهاية.بعيدًا عن النتائج والفائزين والخاسرين، أكدت نسبة الاقتراع الضئيلة في الانتخابات أن شريحة من اللبنانيين لم يجدوا في جميع المرشحين دافعًا مقنعًا كي يتوجهوا إلى مراكز الاقتراع واختيارهم. شريحة ترفض منطق الانقياد الأعمى وبدأت تعبر عن رفضها بفعل امتناع. ليست مشكلة هؤلاء بعدم وجود مرشحين أصحابها ذوو كفاءات مناسبة، المشكلة تكمن في كيفية فرض هذه الأسماء وإلزام الناخبين بها بطريقة فجةّ ووقحة. في الجهة المقابلة، لم تكن اللائحة الهجينة التي تم تشكيلها تشبه أبناء بيروت ولا تمثل تطلعاتهم، رغم الشعارات البراقة التي رفعتها، ورغم ادعاء أفرادها أنهم غير منتمين لأحزاب وأنهم من المجتمع المدني. لكن الاتفاق الوحيد الذي شعر به اللبنانيون مع هذه اللائحة هو النقمة والامتعاض من الوضع الراهن، لكن ذلك لم يكن كافيًا كي تكون خيار البيروتيين المستائين، الذين إضافة إلى أنهم يرفضون التصويت للوائح تهبط عليهم من السماء، فإنهم يرفضون أيضًا التصويت للوائح تكتفي برفع عناوين دون إثبات أي أداء إيجابي على الأرض.أزمة اللبنانيين (ومنهم البيروتيون) ليست فقط بأن من يطرحون أنفسهم لتمثيلهم والتحدث باسمهم وتحقيق تطلعاتهم لا يحققون الحد الأدنى المطلوب، الأزمة الأكبر هي عدم وجود بديل مناسب. فاللبنانيون سئموا الوضع الراهن، سئموا روائح الفساد والنفايات، سئموا طبقة سياسية عاجزة، لا تتذكرهم إلا في المواسم الانتخابية، لا تهتم إلا بتحقيق مصالحها ولو جاءت هذه المصلحة على حساب ناخبيها، لكنهم يصطدمون بسؤال كبير: إذًا ما البديل؟من الظلم أن يكون خيار اللبنانيين محصورا بين فريق يفرض عليهم خياراته، وفريق آخر لا يشبه إلا نفسه. ألا يحق للبنانيين أن يكون متاحًا لهم حذف الخيارين، وأن يكون ممكنًا انتخاب خيار ثالث يكون شبيهًا بهم، يشعرون أنه أتى من بينهم ولم يتم إسقاطه عليهم، يحمل أفكارهم وقيمهم ومبادئهم؟حين نتحدث عن خيار ثالث، ليس المقصود بذلك أن يتم تشكيل لائحة جديدة من المرشحين. فكي ينال الخيار الثالث قبول اللبنانيين وبالتالي ثقتهم في الانتخابات، على من يحمل راية هذا الخيار أن يبدأ عملية تراكمية ومتواصلة من الجهد والعمل وإثبات الكفاءة ونظافة الكف للبنانيين. عليه أن يحمل رؤية واضحة تتلاءم ورؤى اللبنانيين تسعى للإصلاح والبناء والشفافية بعيدًا عن الفساد الذي يعيث بمؤسسات الدولة. ليس مهمًا أن يفوز أصحاب هذا الخيار في الانتخابات المقبلة ولا بالانتخابات التي تليها، المهم هو توفير الخيار للبنانيين اختيارهم، وإلا فإن النتيجة ستكون كما شهدنا تراجعًا بنسبة المقترعين.