12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل صار لدينا طبقة منبوذين في مصر؟

15 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مع الشعب المصري كل الحق في الهجوم على وزير العدل على شبكات التواصل الاجتماعي فيما يسمى بموقعة الزبالين.. فتصريحات الوزير بشأن عدم تأهل أبناء عمال النظافة لتولي مناصب في سلك القضاء ليست إهانة لجزء من الشعب المصري يعمل في مهنة النظافة ولكنها إهانة للشعب المصري وإهانة لإنسانيتنا. المستشار محفوظ صابر عبد القادر الذي كان أمينا عاما للجنة الانتخابات البرلمانية في 2010، والتي شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق تسببت في اندلاع ثورة يناير، والذي عين وزيرا للعدل في حكومة محلب وكما يقول المثل "المكتوب يقرأ من عنوانه" ــ ألحق إساءة بالغة بالقيم والثوابت التي شكلت ولزمن طويل جوهرا في ثقافة المصريين وأعادنا إلى ثقافة عصر الإقطاع والباشوات وثقافة طبقة النصف بالمية التي حكمت مصر حينا من الدهر وثقافة اقتصاد العائلات والمحاسيب والمميزين التي جاء بها عصر الانفتاح وأنتجتها الخصخصة كما نسفت أهم شعارات ثورة يوليو وقائدها التاريخي جمال عبد الناصر وقولته المشهورة "ارفع رأسك يا أخي عاليا"، ونسفت حلم الدولة المدنية ودولة المواطنة التي صدع المثقفون الليبراليون بالدعوة إليها رؤوسنا من كثرة التكرار والإعادة وهي قبل ذلك وبعده تجاوز لثوابت الإسلام الذي جعل التقوى لا الثروة، والعمل لا الحسب والنسب معيارا للتفاضل والقربى من الله تعالى "أيها الناس إن ربكم واحد. وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم. وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.."، لقد جعل الإسلام من الإنسان لا المادة ولا أعراض الدنيا قيمة أخيرة وكفل له حق الكرامة الإنسانية، وجاء لتحرير الإنسان من كل صور وأشكال التمييز والاسترقاق والعبودية ولم يأت ليؤكد سيطرة فئة أو طبقة أو طائفة أو قبيلة.... إلخ على عباد الله، وهذا هو المضمون الجوهري لكلمة التقوى التي تقوم عليها وبها السموات والأرض "لا إله إلا الله"، وهذا هو أحد المعاني المهمة لقوله تعالى "وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها" فإذا كان الظلم وكان التمييز وكان الاسترقاق انتفت التقوى فلا تقوى مع التمييز ولا تقوى مع الكبر ولا تقوى مع النهب والاستحواذ، فالذي عنده يزاد والذي ليس عنده يؤخذ منه، وإذا اختل ميزان العدل والحقوق كان هلاك الأمم وربنا تبارك وتعالى يعلمنا ذلك فيقول في محكم التنزيل "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، قال الشوكاني أي: ما صح ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون به وهو الشرك، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئا والمعنى: أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضم إليه الفساد في الأرض وأكد الطبري هذا المعنى عند تفسير نفس الآية فقال: (وأهلها مصلحون) أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق، أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان.. وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"، وقال ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت مشركة ويهلك الظالمة وإن كانت مؤمنة"، وبنحو هذا قال الداعية الدكتور عمر عبد الكافي: "نمنا في النور، واستيقظ غيرنا في الظلام، وإن المخلص في كفره ينتصر على المزيف في إيمانه"، فالعدل ثقافة قبل أن يكون نصوصا مقدسة أو قوانين في قراطيس وكتب وما فائدة المادة الأولى من الدستور المصري التي تقول "إن النظام في مصر ديمقراطي ويقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون "أي أن المواطنين سواء أمام القانون.. وما فائدة المادة 14 من دستور 2014 التي تسوي بين المصريين في تولي وتقلد المناصب العامة، وتنص على "أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، "وما فائدة صكوك حقوق الإنسان إذا كانت ثقافتنا ثقافة تهميش وإقصاء لكل الذين ليست لديهم أنساب وأحساب وأصول وممتلكات وقصور وعمارات، وكأننا ننتمي إلى ثقافة "معك قرش تسوى قرش...".لقد شهد عام 2012 و 2013 محاولات مستميتة من أوائل كليات الحقوق الذين جرى إقصاؤهم لأنهم ليسوا من علية القوم وحرموا من التعيين في القضاء والنيابة أوكمعيدين في الجامعات وذهبت شكاواهم لمجلس الشورى ولرئاسة الجمهورية أدراج الرياح وظلوا مهمشين دون تعيين ودون الحصول على حقوقهم، وبينما نجح الزند ومئات من القضاة وأعضاء النيابة العامة في مصر حينها في وأد مشروع قانون جديد للسلطة القضائية كانت قد جرت مناقشته في مجلس الشورى السابق والذي حدد سن التقاعد لهم بستين عاما فشل أوائل الطلبة في نيل حقوقهم ولم تلتفت إليهم وقتها آلة الإعلام الجبارة ولم تتبن قضاياهم مع أنها قضايا لها آثار سلبية على المجتمع المصري فالطبقة الوسطى في أي مجتمع هي الطبقة التي تقود التقدم فيه واضمحلال هذه الطبقة وتآكلها وهبوط أعداد كبيرة منها إلى الطبقة الدنيا يعد هزيمة للمجتمع ذاته ولمستقبله لا هزيمة لأولئك الذين انحدروا إلى الطبقة الدنيا التي يمثلها عشرات الملايين من الفقراء وسكان المقابر والشوارع والعشوائيات والقرى المزدحمة التي لا تجد ماء صالحا للشرب ولا فصلا دراسيا مناسبا.. والعجيب في الأمر أن الرئيس السيسي نفسه حذر من تآكل الطبقة الوسطى بسبب الفساد فقال أثناء حملته الانتخابية "إن حجم الفساد الذي تعرضت له الدولة المصرية في المرحلة الماضية بدأ صغيراً في المجتمع المصري بالتزامن مع تآكل وتراجع الطبقة المتوسطة، حتى أصبح الناس يمارسون الفساد بصورة عادية في حياتهم اليومية، دون محاسبة أو رقابة سواء من مؤسسات الدولة، أو رقابة ذاتية تنبع من القيم الأخلاقية التي يكتسبها الفرد من التعليم والثقافة والبيئة".. واستطرد وقال إن آليات مواجهة الفساد خلال الفترة المقبلة يجب أن تؤسس على أن يكون العمل والاجتهاد أساس التميز في ظل الاحتكام لمبدأ تكافؤ الفرص". وواضح مما جرى أن الاحتكام إلى مبدأ تكافؤ الفرص تلتهمه ثقافة الوساطة والمحسوبية كما يبدو أن مؤسسة الفساد هي أقوى المؤسسات وأن هدمها يحتاج إلى زمن طويل، وإذا لم تقتلع هذه المؤسسة من جذورها فإن المجتمع الطبقي سيتكرس، وسيصير لدينا طبقات منبوذة تتوارث مواقعها الاجتماعية جيلا وراء جيل كما كانت في الهند قبل الاستقلال.