12 سبتمبر 2025

تسجيل

مستقبل الثورات العربية

15 مايو 2013

شهدت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية هذا الأسبوع مؤتمرا بعنوان "مصر الثورة وتحديات التغيير والبناء". ومن أبرز الأوراق التي قدمت خلاله ورقة بعنوان "مستقبل الثورات العربية في النظام الدولي" للدكتورة "نادية مصطفى"، أستاذ العلاقات الدولية بالكلية. ناقشت فيها تأثير قوى الخارج على الثورات العربية، وحذرت من أن هذه القوى تحاول ترويض أنظمة الربيع العربي كما حاولت من قبل أن تؤخر عملية التحول في المنطقة من خلال جرعات الديمقراطية الشحيحة التي كانت تلزم وكلاءها الإقليميين بالأخذ بها. وتنصح الورقة أنظمة الثورات أن تتنبه لهذه المحاولات، وأن تدرك أن تأثيرها سيكون سلبيا على مستقبل الثورات العربية كما كان معوقا للتغيير قبل نشوبها. فرغم أن الثورات العربية لم تقم في الأساس ضد القوى الخارجية إلا أن الخارج كان حاضرا بقوة في خلفيتها. وأبرز مظاهر هذا الحضور تمثل في مساندته القوية للأنظمة التي قامت ضدها الثورات، هذه المساندة هي التي جعلت من الأنظمة العربية مجرد توابع تدور في فلك القوى الكبرى على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، إلى الدرجة التي صارت فيها المصالح الوطنية للأنظمة العربية تتحدد وفقا للأجندات الغربية بدلاً من أن تتحدد وفق آمال وطموحات شعوبها. وفي هذا السياق كان شعار الاستقرار الذي يتم الترويج له كمصلحة قومية شعارا زائفا تماماً، فقد كان يشير إلى الاستقرار الذي يخدم هذه القوى ويخدم استمرار تدفق مصالحها في المنطقة. وقد لاحظت الدراسة أن الأدبيات الغربية تحاول منذ فترة إسقاط الثورة من قائمة أدوات التغيير المعتبرة، فكان الاتجاه الغالب على هذه الدراسات التأكيد على ما أسمته "أفول عهد الثورات"، بل وإدانة الثورات بوصفها عمل من أعمال الاحتجاج غير المشروع، أو نمط من أنماط الاحتجاج الراديكالي المرتبط بالانقلابات العسكرية أو سيطرة المتطرفين على الحكم، وتبنت هذه الكتابات فكرة أن الثورات تبدأ بطرح آمال مشرقة ولكنها تنتهي بنهايات مأساوية، وأكدت على أنه بحلول التسعينيات أصبح تنظيم القاعدة هو التنظيم الوحيد الذي مازال يتبنى فكرة الثورة والخروج على شرعية أنظمة الحكم وشكل الدولة القومية الحديثة. وكانت النصائح التي توجهها هذه الكتابات للسياسيين تتمثل في ضرورة تقديمهم حزم من الإصلاحات والمسكنات الديمقراطية من أجل تخفيف مشاعر الإحساس بالظلم، والحيلولة دون نشوب احتجاجات عنيفة. اندلاع الثورات العربية مثل نكسة للجهود السابقة، حيث أثبت فشل أسلوب المسكنات الديمقراطية، كما تحدى نبوءات الأكاديميين الغربيين، ولكن قوى الخارج لم تيأس وإنما بدأت العمل على مستوى جديد، ألا وهو الاحتواء وإعادة تشكيل التحالفات مع أنظمة ما بعد الثورات. وذلك لوضع هذه الأنظمة في معادلة الاستقرار مرة أخرى. وفي هذا الإطار تمت إعادة توصيف الثورات العربية بأنها عملية تحول ديمقراطي واسعة، كما تم الاحتفاء المبالغ فيه بسلميتها، وأصبح الخطاب الغربي أكثر تزلفا للجماهير العربية بعد أن كانت خارج نطاق اهتمامه. كما بدأت قوى الغرب في الرهان على الشباب العربي على افتراض أنهم سيكونون المسؤولين عن صياغة ملامح المنطقة بشكل عام، وتجاه الولايات المتحدة والغرب على نحو خاص. من مظاهر الاحتواء أيضاً استئناف الحديث عن مبادرات الشراكة التي دشنتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق لكسب العقول والقلوب، والتي ظلت مجرد حبر على ورق. عادت هذه المبادرات للظهور في المرحلة الحالية بعد أن اختفت الأنظمة التي كانت الإدارة الأمريكية تعول عليها للحصول على مصالحها في المنطقة. كما تنازلت الإدارة الأمريكية عن إصرارها على استبعاد الأطراف التي لا تروق لها من اللعبة السياسية. وباتت أكثر إدراكا بأن الأطراف المستبعدة، على رأسهم الإسلاميون، جزء لا يتجزأ من الحقائق السياسية في المنطقة، وأن من الأفضل الاعتراف بهم ومحاولة استيعابهم، نظرا لأن الاستقرار الناتج عن الاستمرار في حجب هذه الأطراف ذات الوزن والحضور الجماهيري هو استقرار لا قيمة له. وتلفت الدراسة إلى أن قوى الخارج وهي تفعل ذلك تبدو واعية بالمخاطر التي يمثلها تبلور نموذج حضاري إسلامي تعكسه هذه الثورات، الأمر الذي يمكن أن يغير من شكل النظام العالمي الذي تتربع هذه القوى على قمته، ولهذا تعمل القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة على إفراغ الثورات العربية من مضمونها الحضاري، عبر القبول بتغيير الرموز والقيادات ولكن مع تأكيد استمرار نفس المصالح والتوجهات، وذلك عبر ترويض أنظمة الربيع العربي، عن طريق القروض وما شابهها من إجراءات الإلحاق الاقتصادي والسياسي. أما عن العوامل الداخلية التي تساعد القوى الغربية على تنفيذ مخططها الاحتوائي فيأتي في مقدمتها انفراط التوافق السياسي والاجتماعي الذي تولد مع الثورة، فضلاً عن الضغوط التي تمارسها قوى الثورة المضادة، والقوى الأيدلوجية المناوئة لتيارات الإسلام السياسي والمستعدة لإسقاطها بأي ثمن. في مواجهة هذه التحديات، تذهب الدراسة إلى أن فرص نجاح الثورات العربية في المستقبل ونجاح القوى الإسلامية تتوقف على عدة أمور منها مدى التنسيق وتوزيع الأدوار بين هذه القوى الإسلامية التي تتصدر المشهد السياسي في أنظمة الربيع العربي، ومدى توظيفهم لمهارات إدارة التنوع مع القوى الأخرى، كما تعتمد على مدى نجاحهم في كسر حلقات الاستبداد الموروثة عن العهد السابق. ومدى نجاحهم في تفكيك شبكات التحالف والتبعية مع القوى الخارجية، وفي إدراكهم لمدى مفصلية اللحظة الراهنة في تاريخ المشروع الإسلامي وفي تاريخ المنطقة، وفي استعدادهم لخدمة الوطن بأكمله وعدم الاقتصار على خدمة المنتمين إليهم فقط، وأخيرا وعلى المستوى الخارجي في تخطيهم لحواجز الحدود القومية وصياغة نمط تفاعلات أوسع على مستوى الأمة. هذه الدراسة وغيرها مما حفل به المؤتمر هي مما يجب أن يلتفت إليه السياسيون في أنظمة الربيع العربي وهم بصدد رسم إستراتيجيتهم المستقبلية، وكذا وهم بصدد وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لأنظمتهم، وبخاصة بعد أن انتفى المانع الذي كان يفرض حالة من العزلة بين الأكاديميين وصناع السياسة برحيل أنظمة الاستبداد القديمة، وإدراك الجميع أنهم في سفينة واحدة، اسمها سفينة الوطن.