13 ديسمبر 2025

تسجيل

التدريس موهبة أم إعداد وتأهيل؟

15 مايو 2013

يثار جدل حول كفاءة المعلم من حيث الموهبة أو الإعداد، فهل المعلم الموهوب أكثر كفاءة وفاعلية في الارتقاء بالعملية التعليمية من المعلم المعد علميا ومهنيا؟ أم أن المعلم المُعد، والمؤهل لهذه المهمة هو أكثر نفعا وفاعلية في تحقيق أهداف التعليم، وتحسين مخرجات التعلم؟.. سؤال يراود الكثير من التربويين والمربين على مستوى التعليم العام والجامعي، لذا فقد خُصصت حلقة نقاش في شكل مناظرة علمية أخذت موضعها في جدول فعاليات المؤتمر التربوي السنوي الثالث لإصلاح التعليم، والمنظم من قبل كلية التربية بجامعة قطر في الفترة من 23 — 24 مارس 2013م. وقد دارت المناظرة حول هذا الموضوع من حيث التأييد والمعارضة للتدريس كموهبة أو إعداد وتأهيل علمي ومهني. وتعقيبا على ما دار في قاعة المؤتمرات بالكلية، وتعليقا على سير الأحداث داخل القاعة من المداخلات المُدّعمة بالحجج والبراهين المؤيدة والمعارضة من كلا الفريقين، فقد كانت المناظرة جيدة من حيث الإعداد الفني والعلمي لأطراف المناظرة من المؤيدين لمبدأ "التدريس موهبة" والمعارضين له، وكانت الأدوار موزعة بشكل محدد ومتقن حيث قام كل بدوره في طرح القضية، وما يدعمها من حجج وبراهين منطقية ومقنعة للجمهور من جهة، والرد على حجج الفريق الآخر من جهة أخرى، وقد استند المؤيدون للمبدأ إلى قناعاتهم التي ربما تكون ناجمة عن القراءة والبحث في القضية برمتها، أو ناجمة عن المناقشات المحورية المثارة بين الفينة والأخرى في المقررات الدراسية في الجامعة أو في المجالس الثقافية المعنية بالأمر، وذلك يصب في خدمة المناظرة، وإثرائها. فكل ما طرح في المناظرة من آراء ومعتقدات حول هذا المبدأ صحيح بعض الشيء، وينقصه المنطق في بعض المواقف، فيرى الفريق المؤيد على سبيل المثال أن الموهبة أساس التدريس، ولا يمكن أن يتم بدونها، ولذلك كان الإصرار على ألا يُقبل في كليات التربية إلا الموهوبون من الطلبة المعلمين. وهذا بدوره أثار حفيظة أعضاء الفريق الآخر، ليبادروا بالرد السريع والتعليق على هذا الطرح بالقول "إن عدد المتقدمين لكلية التربية بجامعة قطر في ازدياد مستمر سنة بعد أخرى" خصوصا بعد عودة اللغة العربية إلى الحرم الجامعي بعد غياب طال أمده، فهل كل هؤلاء المتقدمين موهوبون؟ الإجابة بالطبع لا، لذا فهل يعقل إذن أن يُمنع كل هؤلاء المتقدمين من الالتحاق بالكلية لأنهم غير موهوبين، وما دور الكلية إذن؟ وأسئلة كثيرة توجه لأفراد الفريق المؤيد لمبدأ "التدريس موهبة". ويستمر الجدل والنقاش والأخذ والرد دون الوصول إلى حل وسط يلتقي عنده الطرفان. وتقييما للمناظرة بشكل عام، وما يحسب لها وماعليها، فيحسب لفريقي المناظرة استعدادهم وتهيئتهم المسبقة، للطرح والرد، وصواب آرائهم المقنعة أحيانا، ومناقضتها للواقع أحيانا أخرى كما أشير آنفا، ولذا، فلنا رأي في هذا الشأن يمكن إظهاره لاحقا في هذه المقالة. أما فيما يتعلق بما يحسب على المناظرة، وما يؤخذ عليها، فقد اتسمت المناظرة بالرتابة والروتينية، وتوزيع الأدوار بمنهجية محكمة كما سبقت الإشارة، حيث لوحظ التقيد بالدور والنص المحدد لكل عضو في الفريق، مما قيد حرية التدخل السريع والفوري على النقطة المستهدفة. أما فيما يتعلق بموضوع المناظرة المثير للجدل، فلنا تعليق وتعقيب على الفكرة والآراء المثارة حولها، وتعليقا على ما تم طرحه من قبل المؤيدين لمبدأ "التدريس موهبة في المقام الأول" فيمكننا اختزال تعليقنا في جوهر هذا الطرح وهو "المطالبة بعدم قبول غير الموهوبين في كليات التربية" مما يعني اقتصار الكلية على الموهوبين دون غيرهم من المعلمين. وهذا بحد ذاته مثار سؤال وتساؤل، وجدل ومجادلة، ونقاش ومناقشة، مما يدفعنا في ضوء مداخلات الفريق المعارض، وما تضمن من رد تمثل في توجس واستهجان واستغراب الطرح، وفي ظل ما يشهده واقعنا التعليمي الملموس، إلى حصر مناقشتنا في مجموعة من الأسئلة، منها على سبيل المثال: هل المعلم الموهوب يفي بالغرض، ويحل مشكلة التعليم القائم على المعلم الجيد؟ وهل المعلم الموهوب موجود ليسد الفراغ الوظيفي في قاعات الدراسة في مدارس تعليمنا العام؟ وهل نحن فعلا نعاني من غياب المعلم الموهوب، ولا نعاني من غياب المعلم المعد أو المؤهل؟ وهل كل المعلمين الذين لدينا معلمون مؤهلون، وغير موهوبين؟ والسؤال الأهم هو.. هل يتساوى غياب المعلم الموهوب بغياب المعلم المعد أو المؤهل، أم أن غياب المعلم الموهوب يؤثر سلبا على سير العملية التعليمية؟ ولا يضير غياب المعلم المعد، ولا يغير في المعادلة قيد أنملة؟.. فالجواب الواقعي في اعتقادنا أن غياب المعلم الموهوب لا يشكل مشكلة على الإطلاق، في حضور المعلم المعد والمؤهل، فإن وُجد المعلم الموهوب، فعلى الرحب والسعة، وأهلا به أينما حل، وإن لم يوجد، فلا مشكلة، وذلك لأن غيابه لن يخل بالعملية التعليمية، ولن يؤثر عليها بالسلب، ولن يعيقها على الإطلاق. أما المعلم المعد أو المؤهل في المقابل، فغيابه مشكلة كبيرة، تؤثر سلبا على سير العملية التعليمية ونتائجها، وما يعانية تعليمنا العام في قطر اليوم هو غياب المعلم المعد أو المؤهل نتيجة لما مر به التعليم القطري من ظروف قاسية وظواهر اجتماعية رسمية وغير رسمبة مثل: أولا — غياب دور كلية التربية في تزويد الميدان التعليمي بالمعلمين المؤهلين، المتوقف منذ عام 2000م نتيجة لقرار مجحف بإيقاف القبول في الكلية، ثانيا — عزوف ونزوح الشباب القطري طوعية عن المهنة ومنها، ثالثا وأخيرا — دفع المعلمين المؤهلين والكوادر التعليمية المؤهلة إلى التقاعد، وفرش طريقه بالورد وتزيينه بالمغريات المادية الكبيرة تحت مظلة ما يسمى بالبند المركزي.