19 سبتمبر 2025
تسجيلالنوم حاجة تختزل في صورتها المبدئية حاجات الإنسان الأساسية في الراحة والسكينة والاستقرار والأمان، ويمكننا القول أن النوم الجيد هو دلالة على حسن التنظيم الجيد للحياة عموماً كما أنه دلالة واضحة على التنسيق المتزن بين الوظائف الحياتية المتنوعة والمختلفة والتي تفرضها متطلبات الحياة. وقد أشارت بعض الدراسات العلمية أن 40 % من المصابين بالأرق لديهم اضطرابات أو أعراض نفسية، ويعتبر الأرق انعكاسا طبيعيا لتلك النفوس التي تعاني من الإخفاق الشخصي في التعامل مع النوم كحاجة وحالة يعيشها الفرد لتحقيق درجة من التكيف الحيوي والبدني والفكري والنفسي. وباستثناء الحديث عن اضطراب النوم كحالة عضوية تتعلق باضطرابات صحية أخرى واختلال الغدد أو الهرمونات. فإن الأرق يمثل أهم أعراض المزاج الذي يتسم بالتوتر الدائم والكآبة التي تتولد نتيجة التعامل السلبي مع مواقف الحياة. إن ارتباط النوم أو المرحلة التي تسبقه بعادات فكرية أو سلوكية سلبية هو المنتج الأساس للأرق المزمن، والأرق هو: عدم القدرة على النوم، أو النوم ولكن مع عدم الشعور بالراحة. وقد يكون في بداية النوم ـ أي صعوبة الدخول في النوم ـ أو كثرة القيام أثناء النوم أو قلة عدد ساعات النوم ويصاحب ذلك شعور دائم بالتوتر الداخلي والذي ينعكس سلبا على الأداء والسلوك بل وحتى التفاعل الاجتماعي والقيام بالأدوار الحياتية المختلفة. الأرق مشكلة يصعب تحجيم آثارها لأنها في حقيقتها خطر يهدد الحاجات النفسية التي تعتبر محفزات للعطاء والإنتاج والإنجاز، إن مرحلة قبل النوم هو الوقت الذي عادة ما يختلي به الإنسان بنفسه. والبعض يدركه كلحظات استرخاء وتأمل. وعند البعض يعتبر كتصفية حسابات لبعض الضغوط اليومية التي لم تعالج ولم تنته. ولعل من أهم مسببات الأرق هو الاعتياد على استرجاع المواقف السلبية في الحياة وعدم القدرة على مواجهتها وحلها بشكل إيجابي فتتحول في ذات بعض الأشخاص إلى كوابيس ليلية ترتبط بوقت النوم. إن البعض قد يعانون مما يسميه الطب النفسي ـ اضطراب الفزع ـ أو نوبات الفزع وهي حالة تأتي في كثير من الأحيان عندما يكون الشخص بمفرده، وتكون مصحوبة بأعراض مختلطة من القلق والخوف مع توترات جسدية مهيمنة في تلك اللحظة تؤثر على راحة الجسم وصفاء الذهن مما يغير في شكل النوم وكيفته وساعاته. إن كثرة الانفعالات والشد والمشاحنات اليومية تؤثر سلباً على مزاج الشخص وهدوئه الداخلي مما ينعكس على قابليته واستعداده الجيد والصحي للنوم فيتسبب بشكل مباشر في حدوث الأرق، ويؤثر صخب الحياة اليومية وفوضى الأفكار والمشاعر وتراكم الأعمال على راحة الفرد بمستويات وأشكال مختلفة تؤثر على استمتاعه بالنوم كذلك. ويؤجل الكثير أفكاره السلبية المتراكمة لتحليلها والاستغراق فيها إلى الليل دون تعمد أو قصد حيث يجد نفسه تلقائياً في لقاء ليلي يومي مع الشك والحيرة والإحباط الأمر الذي قد يرهقه جسدياً وذهنياً مما يجعله يجد صعوبة في البدء بالنوم أو يعاني من النوم المضطرب أو من تكرار الأحلام المزعجة والتي تعكس ضجيج الحياة الداخلية للفرد. إن إهمال الصحة والعشوائية في إتباع العادات السليمة للغذاء والنشاط تتسبب في تهديد الأمن الصحي الذي يؤثر على راحة الجسد وزيادة مستوى توتره مما يجعله يعاني صعوبة بشكل أو بأخر في تحقيق استرخاء يسمح بالدخول في النوم بطريقة عفوية وانسيابية. ويتجاهل البعض التجهيز الخارجي المناسب لمكان النوم. فلا يلتفت للضوضاء أو أريحية الفراش مما يؤثر على وضعية الجسم التي تنزعج من فوضى المكان وتقاوم الرفض بسلوك خارجي يظهر بصورة نوم غير صحي وغير مستقر، إن حاجات الإنسان قائمة على التكامل والشمولية لذلك فإن إهمال جانب يؤثر على باقي الجوانب حتى في حالة اكتمالها ووجودها. فوجود المكان المهيأ لا يكفي للنوم المستقر إن كان الذهن يعج بالأفكار السلبية المتضاربة والمتكررة والملحة. إن مجرد اعتقاد البعض أنه مصاب حتماً بالأرق وقناعته بعدم القدرة على التغيير يعزز في ذاته الشعور بالخوف والقلق مما يعزز ويثبت من حالة الأرق، لذلك فإن أي خطوة لمعاجلة حالة الأرق هو التفكير العملي في تعديل أسلوب الحياة وبالتالي تعديل السلوكيات الخاطئة المرتبطة بحالة التعود التي جبل الإنسان نفسه عليها، ومع كل هذه الاحتمالات فإن معالجة الأرق تتمركز في فك الاشتراط بين النوم والمخاوف المرتبطة به. وجعل أجواء الليل لديك مرتبطة بمحبوبات النفس كمهاتفة صديق أو كتابة خواطر أو قرأه في كتب أو مقالات أو مواضيع شيقة وجذابة،مع ضرورة معالجة ومواجهة الضغوط اليومية بعقلانية ونضج وعدم تأجيلها وكبتها لتتحول لمآسي تتسبب في الحزن والخوف وبالتالي الأرق.. إن التدريب على تمارين التأمل والاسترخاء من الفنيات العلاجية المناسبة جداً لمعالجة الأرق وما يصاحبه من أفكار ذهنية سلبية ملحة وتوترات جسدية تتصل مباشرة بتشتت الانتباه والتركيز.