16 سبتمبر 2025
تسجيلمع اشتعال المنافسة في الانتخابات الرئاسية في مصر من الطبيعي أن ينشغل الجميع بمن سيفوز بأغلبية أصوات الناخبين، ولكن قدرا من الاهتمام لابد وأن يخصص أيضا للأطراف الأخرى من غير المرشحين ممن سيدفعون ثمن المواقف التي اتخذوها والقرارات التي أصروا عليها طوال الفترة التي سبقت وصاحبت المنافسة الانتخابية. على رأس هذه الأطراف يأتي حزب النور السلفي صاحب خمس مقاعد البرلمان المصري، والذي اتخذ مؤخرا مجموعة من القرارات التي قد تكلفه الكثير متى انتهت الانتخابات وبدأ كل طرف يحصد ثمرة ما زرع طوال الشهور الماضية. أول القرارات المهمة التي اتخذها الحزب ذو المرجعية السلفية فيما يتعلق بسباق انتخابات الرئاسة تمثلت في امتناعه عن دعم المرشح الأقرب إلى ميول الكثير من أتباع التيار السلفي، حازم صلاح أبو إسماعيل، وذلك لاعتبارات لم تبد مقنعة للكثيرين من أتباع الحزب. وكنتيجة منطقية لهذا القرار، لم يظهر الحزب معارضة حقيقية لما أسفرت عنه قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من استبعادات شملت ضمن ما شملت الشيخ أبو إسماعيل نفسه، بل إنه وجد فيها حلا للأزمة التي صنعها بتردده طوال الشهور الماضية، والتي تمثلت في ازدياد أعداد الشباب السلفي المناصر للشيخ ذي الميول الثورية. فبعد ظهور القائمة النهائية للمرشحين والتي حسمت موضوع استبعاد أبو إسماعيل تصورت قيادات النور أن قرار اللجنة يعفيهم من حرج عدم مناصرة أبو إسماعيل، خاصة أن اللجنة كانت قد استبعدت بالإضافة إليه، كلا من مرشح الإخوان القوي خيرت الشاطر، ومرشح النظام القديم عمر سليمان. ولكن جاء القرار اللاحق لنفس اللجنة بقبول الفريق أحمد شفيق رغم صدور قانون العزل السياسي بحقه ليسبب إحراجا بالغا للحزب الذي وضع ثقته في هذه اللجنة وفي قراراتها، ورغم ذلك ظلت الانتقادات التي وجهها الحزب والمتحدثون الرسميون باسمه إلى لجنة الانتخابات الرئاسية في حدها الأدنى، واقتصرت على دعوات خجولة لأعضاء اللجنة بالتنحي لصالح آخرين، ولكن من دون ضغوط حقيقية في هذا الصدد. القرار الثاني المثير للجدل تمثل في قيام حزب النور بالاستعاضة عن دعم المرشح المفضل لدى شباب وأتباع التيار السلفي بدعم المرشح الإخواني المستقيل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح على الرغم مما بين الطرفين من إشكاليات طالما أكد عليها رموز التيار السلفي. فالعلاقة لم تكن في أي وقت من الأوقات على ما يرام بين معظم الرموز السلفية وبين الدكتور أبو الفتوح، نظرا لآرائه التي كان يصنف بسببها من جانب الكثير من السلفيين على أنه أقرب إلى الأوساط اليبرالية منه إلى كونه مرشحا إسلاميا. من جانبه كان للدكتور أبو الفتوح من التصريحات ما يؤكد به مخاوف التيار السلفي وأبرزها تلك التي وصف خلالها نفسه بأنه ليس مرشحا إسلاميا. ويعتقد الكثير من السلفيين أن أبو الفتوح لو خير بين موالاة النخبة الليبرالية وموالاة التيار السلفي لاختار الأولى، خاصة في ضوء الضغوط التي يتعرض لها، والتي تطالبه بالكشف عن طبيعة الوعود التي منحها للسلفيين لكي يمنحوه تأيدهم. هذه الضغوط حال اشتدادها قد تؤدي من وجهة نظر هذه التيار إلى جعل المرشح الإخواني السابق يضطر إلى التخلي عن السلفيين ومن ثم إلى استبعادهم من حساباته السياسية حال فوزه في الانتخابات. معضلة الاستبعاد من دوائر التأثير يتوقع أن تلقي بظلالها أيضا على حزب النور حال فوز الدكتور محمد مرسي، فقرار حزب النور الامتناع عن تأييده في الانتخابات الرئاسية اعتبره الإخوان بمثابة ضربة لهم. وفي ضوء سيطرة الإخوان على الأغلبية البرلمانية التي ستكون في الغالب مسؤولة عن تشكيل الحكومة المقبلة، فإنه من المتوقع أن يتم استبعاد السلفيين وممثليهم من حزب النور من الحكومة المقبلة أو على الأقل ألا يحظون بتمثيل قوي في بنية السلطة المزمعة أيا كان شكل أو نمط الحكم الذي سيأتي به الدستور القادم، وذلك فيما قد يكون إجراء عقابيا من جانب حزب الأغلبية تجاه السلفيين الذين تخلوا عن دعم مرشحهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الدعم وبخاصة في ضوء انخفاض حظوظ المرشح الإخواني. قرار الحزب السلفي الامتناع عن دعم المرشح الإخواني أسفر أيضا عن حالة من الانقسام داخل التيار السلفي نفسه، فرغم التحفظات السلفية المعتادة إزاء الإخوان ومشروعهم الفكري، يرى الكثير من المنتسبين للتيار السلفي أن الحزب قد جانبه الصواب في قراره تأييد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، ولهذا فإنهم عند المفاضلة بينه وبين الدكتور محمد مرسي يجدون أن التصويت للدكتور محمد مرسي مع ما يتضمنه من مخاطر قد يكون أفضل من التصويت للدكتور أبو الفتوح، في ضوء ما يأخذه عليه شباب وبعض من شيوخ هذا التيار من مسارعة إلى إرضاء التيارات الليبرالية ولو على حساب ما يعتبرونه ثوابت التصور الإسلامي. هذا الانقسام في قضية بهذه الأهمية يمكن أن يؤدي بدوره إلى اختلالات أكبر بين صفوف التيار السلفي. فشباب السلفيين والذين كانوا مقتنعين حتى وقت قريب بأن السياسة ساحة للفتن، وكانوا من ثَمَّ قانعين باعتزالها بالكلية، كانوا يتوقعون من مشايخهم الذين أقنعوهم بضرورة ممارسة السياسة في هذه المرحلة حفاظا على الشريعة والهوية الإسلاميتين أن يكون دعمهم لقضية الشريعة أكثر وضوحا. كما أن هؤلاء الشباب قد باتوا يلاحظون انحسار المسافة التي تفصلهم عن التيارات الليبرالية والعلمانية، وهي الأطراف التي كانت منافستها والحيلولة دون استئثارها بالسلطة، أحد المبررات المهمة التي سوغ بموجبها مشايخ التيار السلفي لأتباعهم المشاركة في العملية السياسية. فإذا بهم يجدون أن المساحة تتآكل بينهم وبين هذه التيارات، ويجدون أنفسهم جزءا من حسابات دنيوية بحتة تحكمها البراجماتية السياسية تماما كما لدى الأطراف الأخرى. لقد أثبت التيار السلفي في الماضي قدرته على الحشد الجماهيري ولكنه كان يفعل ذلك بالأساس من خلال قدرته على الاتساق مع مبادئه التي لم تكن تختبر أمام المحكات الواقعية على نحو فعلي، ولكنه إذ يضطر في هذه الآونة بفعل ضرورات المنطق السياسي أن يعيد طرح مبادئه وفقا لصورة أكثر تركيبا فإنه يغامر بأن يفقد كثيرا من أتباعه أو على الأقل من قدرته على حشدهم، وهذا في حقيقة الأمر أسوأ من الخسائر السياسية التي قد يتكبدها الحزب عقب ظهور نتائج الانتخابات، والتي تتمثل بالأساس في احتمال استبعاده من دوائر السلطة التنفيذية، الأمر الذي يحتم على قادة ورموز هذا التيار إجراء مراجعات لطبيعة خطابهم وللطريقة التي كانوا يستخدمونها في الماضي من أجل تحقيق الطاعة بين أتباعهم وذلك بعدما تبين لهم أن مبدأ الطاعة الدينية يختلف عما تحتاجه هذه المرحلة من التزام حزبي.