13 سبتمبر 2025
تسجيلدوام الحال من المحال، أو هكذا هي السنة الإلهية في هذا الكون، كل شيء يتغير بسبب وآخر، هناك أمور وأحوال تتغير بحكم أسباب لا يتدخل أي مخلوق فيها، فهي تغيرات تلقائية وفق سنّة إلهية، كالتغيرات التي تحصل على جسم الإنسان من لحظة ولادته حتى يبلغ أرذل العمر، ومنها تغيرات كونية سواء في الأرض أو السماء. لكن هناك تغيرات تحصل وللإنسان دوره المهم فيها، وحول هذه التغيرات يكون حديثنا اليوم، القرآن الكريم ذكر لنا نوعين من التغيير، واحد يحدث التغيير فيه بسبب ما ترتكبه يد الإنسان نفسه، وهو ما يمكن تسميته بالتغيير نحو الأسوأ أو التغيير السلبي، فيما النوع الآخر يحدث فيه التغيير وبيد الإنسان أيضاً، ولكن نحو الأفضل أو التغيير الإيجابي. لنقرأ معاً القانون الأول كما في الآية التالية.. يقول تعالى في سورة الأنفال (ذلك بأن الله لم يكُ مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) قانون واضح بذاته لا يحتاج كثير شروحات وتفصيلات، الله سبحانه لا يزيل نعمه عن خلقه دون سبب، نعمه وخيراته مستمرة، إلا إذا فعل المتنعمون والمستفيدون من تلك الخيرات، أموراً فاسدة سيئة تستدعي المنع والقطع، فساد وظلم وفقدان عدالة وغيرها من مسببات جلب نقمة الله وخسارة خيراته، النعم لا يغيرها الله على قوم (حتى يغيروا ما بأنفسهم)، أي تتغير نفوسهم فتتحول إلى نفوس ظالمة، جشعة، تأكل مال هذا وذاك بغير حق، وتتكبر وتبطر وتجحد، إلى آخر مصطلحات فساد النفوس، التي إن تراكمت وتجمعت، كانت بمثابة إشارة بدء زوال النعم تدريجياً أو في غمضة عين. أبرز الأمثلة القرآنية قوم سبأ، سخر الله لهم نعم الأرض وخيراتها، ورزقهم الأمن والأمان، بل لم يكن مسافرهم يجد في السفر بين القرى البعيدة أي مشقة، لأنها كانت مرتبطة ببعض، حتى أن المسافر من سبأ لا يكاد يشعر أنه خرج من دياره! ومع استمرارية تلك النعم، شعر القوم بالسأم أو الملل، يريدون بعض الجهد والعناء! ولا أدري حقيقة ما كانت دوافعهم لذلك وما كانت نفسياتهم حينذاك، وهل حياة الرفاهية والأمن والأمان يمكن أن تؤدي بالمرء إلى أن يطالب بتغييرها بصورة وأخرى؟ نقطة غير مفهومة في السلوك الإنساني بعض الأحيان وتحتاج في رأيي لدراسات نفسية واجتماعية. مع تلك النعم الوافرة إذن، بدأوا خطوات نحو التغيير، ولكن إلى الأسوأ، بدأوا أولاً بالإعراض عن دعوة الله من بعد أن جاءتهم، ثم كفروا بأنعمه، ومن ذلك أن دعوا الله أن يباعد بين أسفارهم ليشعروا بمشقة السفر!، وهذه أمام كل ذلك الجحود والكفر بنعم الله، ما كان سوى أن تغير حالهم إلى أسوأ ما يمكن أن يتصوره إنسان. حدثت قصة سيل العرم، وتفاصيلها المرعبة التي تحولت تلك الحضارة العظيمة إلى أحجار مكومة، ماتت جموع، وتفرقت بقية الأحياء منهم في أنحاء شبه الجزيرة العربية وما بعدها، وما بقيت من تلك الحضارة، سوى جنتين (ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور). القانون الثاني للتغيير بعد أن رأينا التغيير من الأفضل نحو الأسوأ أو التغيير السلبي، ننتقل إلى القانون الثاني للتغيير والمعاكس أو من الأسوأ إلى الأفضل، وفي ذلك يقول تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، إشارة إلى أن تغيير واقع ما نحو الأفضل، إنما يتطلب أولاً أن يتم تغيير من يقومون على أمر ذلك الواقع، سواء كان على شكل كيان إداري أو مالي أو غير ذلك. وبصورة أبسط: شركة، وزارة، دولة، أمة. إن أراد نفرٌ تغيير واقع شركة مفلسة مثلاً، أو وزارة فوضوية أو حتى دولة متدهورة أحوالها، فلابد أن يتم التغيير أولاً بين وفيمن يقومون على أمرها، سواء كان التغيير على شكل إعادة تأهيلهم وتدريبهم، أو حتى إبعادهم عن مواقع الإدارة والمسؤولية، ومن ثم يتم بعد ذلك تغيير الأنظمة والإجراءات والقوانين في تلك الكيانات، وهكذا يكون أولئك النفر قد بدأوا الخطوات الأولى في تجسيد الآية أو تفعيل قانون التغيير الثاني (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ). نعم التغيير حسب هذا القانون، مطلوب فيه أن يطول الفاسدين، والظلمة، والمرجفين، والمنافقين، وكذلك المستفيدين من أوضاع التردي وأشباههم كثير كثير، إن مثل هذه التغييرات لا يمكن تحقيقها بالأماني والأحلام، بل بعمل صحيح ووفق رؤى سليمة بعيدة، وعلى أيدٍ مخلصة أمينة، ترى التغيير هو الحل الأنجع والأنجح في تغيير واقع سلبي محبط كئيب، إلى آخر مشرق إيجابي سعيد. التغيير لا يمكنه أن يكون فاعلاً واقعاً ذا تأثير عميق ما لم يكن ناتجاً عن رغبة عارمة جازمة حازمة، وفيما غير ذلك لن يمكنك القيام بالعملية التغييرية بالصورة المثالية من تلك التي ترى أثرها إيجابياً على الواقع المراد تغييره. إذن واحد من شروط التغيير الأساسية أن يكون بناء على رغبة عارمة في إحداث التغيير، وكلمة عارمة تفيد هذا المعنى، أي أن تتكون لدى راغبي التغيير، نهمٌ وشغف بتغيير ما يرغبون في تغييره، بحيث لا يمكن أن يقف في وجوههم واقف أو يمنعهم مانع، بل حين يصلون إلى تلك الدرجة، تجد أنهم لا يشغلهم عن هدفهم أي شاغل، بل تراهم يعيشون العملية التغييرية بكاملها إلى الحد الذي يرون النتائج قبل أن يبدأ العمل الحقيقي. بهذه الروح وبهذا التصميم وذاك الحزم، ستتغير الأمور والوقائع، لأن هذا هو المنطق السليم في التغيير كما بينته الآية الكريمة، نقطة البداية تكون من الداخل، سواء كانت على شكل أفراد أو لوائح وإجراءات أو غيرها من عوامل التدهور والواقع السيئ الذي عليه الكيان المراد تغييره، وتغيير ما يحيط به، ثم بعد ذلك ينتقل التغيير تدريجياً نحو الخارج أو المحيط. [email protected]