18 سبتمبر 2025

تسجيل

مقارنة الثورات العربية بالتاريخية.. هل تجدي

15 أبريل 2012

هل يمكن مقارنة ثورات الربيع العربي الحالية بغيرها من حركات التغيير في تاريخ البشرية مثل تلك التي اجتاحت أوروبا وأسست لنهضة مستدامة في مجتمعاتها كما في فرنسا عام 1789 م والتي استمرت تداعياتها لعشر سنوات حقق بعدها الشعب الفرنسي الكثير من المنجزات الثقافية والاجتماعية والكثير أيضا من التحولات في عموم البلاد واقتصادها تبعاً لتحول المفاهيم واجتثاث أفكار العهد الملكي القديم وسيطرة النبلاء على فرنسا بدساتيرها وأنظمة الحقوق فيها وحرية الرأي والفكر لعموم سكانها بعد أن كانت حكراً على فئة قليلة دون أخرى واسعة. أتوقع أننا نبالغ دائماً في استنتاج حجم المحصل النهائي لنتاج ثوراتنا العربية الحالية. بل قد يصح القول باعتبار التغير في العراق ضمن جملة التغييرات العربية الحديثة في محيطنا. فمثلما يغرينا معنى التغيير سواء كان ثورة أو إسقاطا قسريا للنظام بقوى داخلية أو خارجية مستعان بها فالمفهوم العام للتغيير يغازل في أنفسنا رغبة الانعتاق وكسر القيود والتأسيس بالثورة أو بأي محاولة أخرى لمرحلة جديدة يعود فيها الخير للجميع وتكون فيها الكلمة للجميع أيضاً دون استبداد أو ممارسة الإقصاء لأحد على الآخر. فالمبالغة في توقع عائد الثورات العربية ومحاولات مقارنتها بالثورات العالمية التاريخية هو مجرد افتراض محض تغيب عن جوانبه المسلمات والشواهد المشتركة بل ويمكن للجادين من عقلاء العرب الفحص والتمحيص في حقيقة المرحلة وطبيعة مكونها الذي ينادي بعضه بالتغيير دون امتلاك عموم مقوماته وتلك الأرضية الممكنة لتأسيس مرحلة قادمة من البناء المجتمعي القادر على الصمود بمؤسساته ودساتيره في وجه المتغيرات والمحاولات الانتهازية. ومع أن حقيقة الحالة العامة للمشهد في بعض المجتمعات العربية بحاجة إلى الغربلة والتغيير إلا أن ذلك لن يكون جذرياً وستظل تلك المجتمعات ربما تعاني طويلاً من هذا الحدث تماماً كمن أجرى عملية جراحية لدى طبيب غير مرخص أو متمرس اعتمد فقط على تخدير مريضه من الألم دون أن يكون لمبضعه الخبرة الكافية لاجتثاث الألم ومعالجته النهائية فاكتفى بالتسكين والابتسامة في وجه المريض لدعمه معنوياً بينما براثن العلة كامنة في جوانب جسده وربما حفزها جرح المشرط غير الخبير للتداعي مع الأوجاع الأخرى لتنهش الجسد حمى الوباء وتلك هي مرحلة الخطورة وربما الاحتضار. هنا لا أقر بالفشل الكامل لثوراتنا العربية وحقوق المطالبين بالتغيير والانعتاق من جور السلطات في بعض دولنا سوى أن الارتكان على الوقت والمقارنات فقط لن تحقق نصراً مؤزراً ولن تضيف لمحصلات الشعوب سوى المزيد من الأزمات. وهنا يتحقق معنى الفتنة كما في فكر الفقه الشرعي طالما أن المعضلة لم تصل العظم ولم تأت بكفر مباح وطالما أيضاً أن المعالجات التي تستجلبها الثورات لن تكون سوى مسكنات فقط تنجر بعدها الشعوب إلى ما لا يطاق من الويل والثبور وشواهد الأحداث ونتائجها متاحة للرائي الآن كما في جدل مصر وخلافات ليبيا وفئوية السلطة في العراق لذلك يظل حساب الموازين وقياس القوى وتوازن الطلبات وفحوى الأجندات مهم جداً عند متحفزي الثورات. وتلك دعوة نسوقها للإخوة في البحرين وبالذات جمعيات المعارضة التي تغير وتبدل في أجنداتها تبعا للمتغير الإقليمي بل وقد صعدت مؤخراً في أساليب النهج والمواجهة مثل انفجار قرية " العكر " مؤخراً والذي عكر الأجواء على حقيقة ومفهوم المعارضة والتي خسرت بالحدث بعض التعاطف الدولي معها ووجهت باستنكار واسع لفعل التفجير. فأقول لهم إن لكم الحق في العيش الكريم ولكم الحق في المطالبة في حدود ما يقره المكون العام للبلاد لا الاستفراد بالرأي وصناعة واجهة للبلاد تخلو من عموم المكون فذلك نموذج مارسه النظام العراقي ولن يكون صامداً أبداً لعدم توافقه ومفهوم الثورات التاريخية التي تنشد الحرية للجميع وتؤسس لمستقبل الجميع بل ستكون محاولاتكم بوابة لنفق لا يعلم أقصاه إلا رب العباد. فالمرحلة الآن هي التوافق والعمل المشترك مع أطراف شعب بلدكم عموماً لتحقيق رؤية الجميع قبل أن تخسروا كل الأطراف. [email protected]