25 نوفمبر 2025

تسجيل

بطريق في الصحراء !!! تعليق وتعقيب

15 مارس 2016

عنوان غريب عجيب بدأ به د. خليفة السويدي محاضرته الأولى في بداية الجلسة الافتتاحية لمنتدى "التعليم في دول مجلس للتعاون الخليجي.. إبداعات وتطلعات تربوية" باعتباره المتحدث الرئيسي للمنتدى المنظم من قبل كلية التربية بجامعة قطر، والمنعقد بالدوحة في رحاب الجامعة بتاريخ 27 فبراير 2016. فغرابة العنوان، أثارت فضول الكثير من الحاضرين فيما يتعلق بالمغزى والرمزية التي يمثلها العنوان بصوره البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية في ارتباطها بالواقع الملموس والمحسوس، وما تعكسه من واقعية ربما يلمسها أو يتلمسها الحضور. عنوان غريب فعلا، وتكمن غرابته في تعارضه مع قوانين الطبيعة بخصائصها الصحراوية والثلجية وغيرها. فالعنوان بغرابته يثير الكثير من التساؤلات، ويحتمل الكثير من التأويلات والتفسيرات، فقد يتساءل القارئ عن فلسفته ومغزاه ورمزيته، وما المقصود "بالبطريق في الصحراء"؟ فهذا سؤال محق، والجواب أحق وأبلغ، فتعود رمزية البطريق هنا إلى المناهج التعليمية والكتب الدراسية المستوردة بمضامينها وثقافتها الغربية، وتطبيقها في مجتمعاتنا العربية دون تمحيص وتحليل وتقييم، ولا حذف ولا إضافة، ولا تنقيح ولا توليف، ولا تصحيح ولا تأليف، بل تدريس هذه المناهج المستوردة دون التأكد من المحتوى في تعارضه وتوافقه مع قيمنا وثقافتنا الخليجية في الصحراء التي لا يمكن أن يعيش فيها البطريق بأي حال من الأحوال. فالمنهج الغربي لا يصلح لنظمنا التعليمية، لعدم توافقه مع ثقافاتنا المحلية، فلا معنى إذن لاستنساخ المناهج الأجنبية الغربية وتطبيقها بحذافيرها في مجتمعاتنا الخليجية. ولكن هذا لا يعني رفض التطوير، بل يعني رفض الاستنساخ كما نص عليه المحاضر حرفيا "أنا لست ضد الاستفادة من تجارب العالم، لكني أرفض استنساخها" فالمرفوض هنا هو الاستنساخ، وأثره على اختلال المبادئ، وضياع القيم، وطمس الهوية على المدى البعيد. واستخلاصاً مما سبق في ربطه برمزية العنوان، فيمكن القول بأنه "إذا استطاع البطريق أن يعيش في الصحراء، فلا عجب للمناهج الغربية المستنسخة أن تعيش في منطقتنا الخليجية، وتتعايش مع أبنائها، وتتوافق مع طبيعة ونمط حياتهم الاجتماعية. وتعقيباً وتعليقاً على ما ورد في المحاضرة من أفكار ورؤى، وإشارات وتحديات، فقد اتسمت المحاضرة بالهدوء والتنظيم، حيث كانت هادئة في وتيرتها، مُنظمة في مضمونها، مُشوقة (شائقة) في عرضها، مُسلية في أفكارها، ظريفة في وقفاتها وأمثلتها الواقعية، واقعية في طرحها، موضوعية في تحليلها، ومنهجية في علومها النظرية المدعمة بنتائج البحوث العلمية والدراسات التجريبية. فيُشهد للمحاضر أسلوبه الشيق في العرض، وفي ربطه الواقع التعليمي بمواقف الحياة الأخرى، وربط المناهج الدراسية في واقعها الحالي، في ظل غياب الترابط فيما بينها بالوجبات الغذائية الخليجية الذائعة الصيت، عندما تقدم مكوناتها منفصلة عن إطارها الطبقي لا يجمعها طبق الوجبة الواحدة (كالبرياني) حيث النكهة والمذاق في مكوناته مجتمعة، وليست منفصلة كل على حدة. وما يحسب للمحاضرة واقعيتها، وإن كانت مُرةً وصادمةً، لكنها منبهة، حيث إنها بدأت بدق ناقوس الخطر، فتناولت الواقع التعليمي في منطقة الخليج والجزيرة العربية بالتحليل والتجسيد وتشخيص العلة، مما يساعد في حلها وعلاجها إذا توافرت الإرادة. فقد سُلط الضوء في المحاضرة على الكثير من الوقفات والمحيرات والتحديات الناجمة عن الاستنساخ والتقليد الأعمى من جهة، وعن ثورة المعلومات وما صاحبها من تحديات تعليمية اجتماعية كخلق فجوات اجتماعية، مثل الفجوة بين التعليم العام ومتطلبات التعليم الجامعي (العالي)، وبين التربية والتعليم، وبين مخرجات التعليم وسوق العمل، وبين الشباب وطرق تعلمهم، وبين المجتمع والتربية، وغير ذلك من الفجوات التي تحتم العمل الدؤوب لجسرها وردمها مهما كلف الأمر. فكيف يمكن أن تكون هناك فجوة بين التعليم العام في أي مجتمع ومتطلبات الدراسات الجامعية؟ فلابد إذن من حل يتطلب إعداد وتأهيل الطلبة للانخراط في التعليم الجامعي، فهو المستقبل المنشود لكل طالب، وهو الطريق المؤدي إلى الدخول إلى معترك الحياة الوظيفية العامة. وكذلك الحال مع الفجوة بين التربية والتعليم، ومن قال إنهما عمليتان منفصلتان؟ بل هما مترابطتان متزامنتان، فلا معنى للتعليم دون تربية، ولا معنى للتربية دون تعليم، فكلاهما تكمل الأخرى وتدعمها وتزينها، ولماذا الفجوة بين المجتمع والتربية؟ وكيف يستقيم المجتمع دون تربية؟ فالتربية هي أساس المجتمع، وسلوكيات أفراد المجتمع تعكس مدى تربيتهم المتمثلة في أخلاقهم النبيلة في تعاملهم مع بعضهم البعض، ومع الآخرين من المجتمعات الأخرى. فوجود فجوة بين المجتمع والتربية، يعني وجود خلل لابد من إصلاحه. وأخيراً، وليس آخراً، فلا ينبغي أن نُفوت ما ورد في المحاضرة من تجارب بحثية كانت نتائجها كفيلة بتنبيه من حقائق ومسلمات تسهم في إنارة الطريق، وترسم خطوط الإرشاد إلى مستقبل أفضل للتعليم بنوعيه العام والعالي الكفيل بردم الهوة بينهما. ولذا، فقد وردت الإشارة إلى دراسة عالمية طُبقت في (50) دولة، وتناولت (60) متغيراً بحثياً خلصت إلى الاعتزاز باللغة الوطنية، لأنها لغة التواصل والتفكير. ونحن إذ نعرض هذه النتيجة، نشاطر المحاضر توجهه، ونوافقه في رأيه، ونعزز النتيجة برأينا بأن الأمم لا تتقدم إلا بلغتها، وليس بلغة الآخرين. ولذا، فتفيد النتيجة أيضا بتعزيز مبدأ العودة إلى التدريس باللغات المحلية. وهذا ما يتوافق مع توجهنا وتوجه المحاضر في تبني مبدأ التدريس بلغة المجتمع، داعمين له ومؤدين ودافعين نحوه، لما له من أثر على الحصيلة التعليمية من جهة، والحفاظ على الهوية والوطنية من جهة أخرى. وتلخيصاً لما سبق، يتبين أننا في أزمة لابد من تحديد أسبابها والعمل على حلها والأخذ بمسبباتها، لعلنا نوفق في الخروج منها واجتيازها بنجاح. فالواقع التعليمي في المنطقة صادم، ومنبه، وباعث للهمم، فالأزمة تلد الهمة. ولذا، فكلنا همم ونشاط إن شاء الله، وكلنا داعم للعمل على الخروج من الأزمة مهما كانت كبيرة وصعبة. ولم يبق لنا في الختام إلا أن نشكر المحاضر، متمنين له التوفيق والسداد. والشكر موصول لكلية التربية على تنظيمها لهذا المنتدى، وإتاحة الفرصة لنا للاستفادة من محاضرات كهذه المحاضرة.