17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هناك أمر يتم إغفاله، لابد من العثور على حلقة ناقصة هي المسببة لكل الفشل الذي نشهده في ثورات الربيع العربي، فالشعوب العربية قامت بدورها في الثورة على أنظمتها الفاسدة، وبذلت ما في وسعها من دماء وتضحيات، وتحملت التعذيب والظلم والقهر والسجون، كل ذلك في سبيل نيل الحرية المنشودة. لكن النتيجة لم تكن كما هو مأمول منها، بل إن بعض بلدان الربيع العربي زاد الظلم فيها، وساء وضع الحريات أكثر مما كان عليه في زمن الأنظمة التي تمت الثورة عليها.في الماضي كانت تعلو أصوات مطالبة الشعوب العربية بالثورة على أنظمتها كوسيلة وحيدة للتحرر منها والتخلص من فسادها. لكن الثورة حصلت، والشعوب تحركت، فتظاهرت واعتصمت وناضلت وواجهت قمع الأنظمة، ودفعت في سبيل ذلك الغالي والنفيس، لكن ماذا كانت النتيجة. في بعض الأقطار كشرت الأنظمة الظالمة عن أنيابها أكثر، وباتت أكثر دموية وإجراماً بحق شعوبها وأكثر حرية بالتعبير عن فسادها، وفي أقطار أخرى كنا نعتقد أن ثورتها نجحت، لكن الأنظمة البائدة عادت بوجه جديد، أكثر لمعاناً وبريقاً، وأيضاً أكثر دموية وظلماً وقهراً لشعوبها. عودة الأنظمة الفاسدة لم تحصل بالقوة فقط، بل أيضاً مستندة إلى قاعدة شعبية انخدعت بما تشاهده وتسمعه وتقرأه من جوقة إعلامية فاسدة متكاملة.ما هي كلمة السر المفقودة التي يجب العثور عليها حتى تنجح إرادة الشعوب في تحقيق مرادها بنيل الحرية والكرامة؟ كيف يمكن منح الشعوب العربية المناعة التي تحميهم من أي توجيه أو استمالة نحو الفاسدين؟ كيف يمكن الوقوف في وجه محاولات إقناع الشعوب بنصرة الباطل في مواجهة الحق، رغم أن الحق بيّن والباطل بيّن؟ كيف يمكن تحصين الشعوب العربية من التأثر بالحملات الإعلامية المسعورة التي احترفت شيطنة القوى الحية وتعظيم أخطائها، وتظهير الزلاّت التي تقع بها، في مقابل تلميع الإنجازات المزيّفة التي تقدمها الطبقة الفاسدة، وطمس جرائمها، وإقناع الشعوب البسيطة أن المجازر والقتل والتعذيب والاعتقال هي أمور ضرورية لحمايتها وتحقيق مصلحتها؟ كيف يمكن تحجيم تأثير الطبقة الفاسدة، في حين أنها متغلغلة في جميع مفاصل مؤسسات الحكم، وتسيطر على مراكز القوة والتأثير في المجتمعات؟ كيف للشعوب أن تملك القدرة على محاكمة المسؤولين عن الفساد وإنزال العقاب بهم؟ كيف يمكن منع المتضررين من ثورات الشعوب على أنظمتها من إجهاض هذه الثورات، وتحويل الثائرين بوجه الظَلَمة إلى شياطين يجب ملاحقتهم ومحاسبتهم وزجّهم في السجون؟ كيف للشعوب أن تدرك بأن الأمن والأمان والاستقرار هو حق أصيل من حقوقهم وليس منّة من الحاكم ولا من زبانيته، وأن مقايضة الحرية والكرامة في مقابل الحصول على الأمن وتحصيل لقمة العيش ولو كانت مغمسة بالقهر والذل والهوان هي معادلة مهينة بحق الإنسانية وانتقاص من كرامة كل مواطن. الأجوبة على كل هذه الأسئلة تكمن في افتقاد شعوبنا العربية لشيء واحد اسمه "الوعي الجماعي"، هذا الوعي الذي يشكل شرطاً لازماً لنجاح كل ثورة، وبدونه تذهب كل الجهود والدماء والتضحيات والتظاهرات والاعتصامات سدى، بعدما تنجح الطبقة الفاسدة من خلال وسائلها وأدواتها الشرعية وغير الشرعية في استدراج الشعوب إلى المكان الذي تريد، ودفعها في الطريق الذي تريد، وإقناعها بما تريد.حين نقول وعياً جماعياً، لا يكفي أن يخرج صوت من هنا أو هناك يتحدث بأفكار قرأها على الإنترنت أو نقلها من كتاب أو سمعها أثناء مشاركته في دورة إدارية. فالوعي والنضج حتى يؤتي ثماره يجب أولاً أن يدخل عقل الفرد ويصبح جزءاً من شخصيته وطبعاً من طباعه، وهذا لا يحصل خلال أيام أو أسابيع أو أشهر، بل يتطلب سنوات، وهي عملية تراكمية. وثانياً يجب أن يشمل الوعي والنضج مجموعة من الأفراد، مجموعة تكون مؤثرة في من حولها، تنجح بتشكيل رأي عام يؤيد التغيير المطلوب ومستعد للتضحية للوصول إليه، بعيداً عن اليأس والاستعجال. الوعي الجماعي حلقة مفقودة لكنها ضرورية لوقف استغلال الفاسدين لجهل الشعوب واللعب بأفكارها وعواطفها؟ وإلا فإن استمرار غياب هذا الوعي عن شعوبنا سيجهض كل ثورة، وسيُفشل كل محاولة للإصلاح، وسيثبّت كل فاسد طالما أنه حريص على تجهيل شعبه لأن ذلك يساهم في بقائه على كرسيه، بينما الحريصون على توعية الشعوب تم تهميشهم والتضييق عليهم، أو تحوّلوا إلى جماعات محظورة تم الزجّ بهم في السجون وحُكم عليهم بالإعدام، لارتكابهم جريمة "التفكير بالحرية".