06 نوفمبر 2025

تسجيل

المواءمة بين التغير والتحول الاقتصادي

15 مارس 2015

هناك تياران يعملان على تكييف الاقتصاد على التشكل زمنيا، أحدهما تحول التدفقات النقدية من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى التدفقات النقدية المعتمدة على الاستثمارات، ولذلك أصبح الصندوق السيادي أحد أهم الموارد للتدفقات النقدية، ولذلك تحول الاهتمام من التركيز على المهارات الهندسية والبحرية إلى العلوم المالية والمؤسسات المالية والاستثمارية، ومن الاهتمام بقطاع النفط والغاز إلى الاهتمام بالقطاع المالي والاستثماري اللذين بدآ يحتلان الصدارة كأساس للاقتصاد، إذ أصبح نضوب الموارد الطبيعية أمرا قائما وملحا وعليه لابد من وضع تصور يخدم الاقتصاد المحلي مستقبلا، خاصة في الفترة القادمة والتي لا يزال لدينا القدرة المالية على الاستثمار في خلق البدائل، ويؤسس لاقتصاد يعتمد في دخوله على الاستثمار، ومن خلال تأمين الاقتصاد ورفد دخل الدولة، والمحافظة على توازن الميزانية العامة للدولة، كمرحلة انتقالية أولى، يتبعها مرحلة إكمال بنى الاقتصاد الرقمي ومن ثم اقتصاد المعرفة وصولا لمجتمع المعرفة، فالتيار الآخر هو تحول الاقتصاد من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد رقمي يهيئ لدخول اقتصاد المعرفة، فالهدف من البحث عن أفضل الحلول هو وضع خطط مستقبلية تمكن المجتمع والدولة من المحافظة على مستوى المعيشة التي يتوقعها المواطن، هذا هو الهدف تأمين مستوى المعيشة للفرد والدولة، وتحقيق المجتمع المرفه هو الغاية الحقيقية للتنمية، تظل الإجابة عن أفضل الطرق لبلوغ تلك الغاية هي الإجابة التي نبحث عنها اليوم، أي هل اعتماد الاقتصاد الرقمي كمرحلة أولى هو أجدى، أم وضع المفهوم العام والمتفق عليه وهو اعتماد اقتصاد المعرفة، وما هي النتائج وما هي التبعات على بنى الاقتصاد، خاصة أن معظم بلدان العالم ومفكريه، انتقلوا مباشرة إلى اقتصاد المعرفة، دون النظر للاقتصاد الرقمي كمرحلة انتقالية تحتاج كل العناية والحرص، وتحتاج إكمال البنى الرقمية قبل الولوج لمرحلة اقتصاد المعرفة، فالقفز على مفهوم اقتصاد المعرفة يعني الاستثمار في مراكز الأبحاث، وهذا مطلوب ولكن هل اكتملت البنية التحتية التي سيعتمد عليها اقتصاد المعرفة، في هذه الحالة ممكن أن نقول لا، ووجود مراكز أبحاث تنتج المعرفة، دون وجود حاضنة مجتمعية لها تظل ذلك المنتج المعرفي غريبا على المجتمع، وتظل الفائدة منه محصورة في نطاق ضيق، غير قادرة على تحويل تلك المنتجات المعرفية، إلى منتجات سوق قادرة على خدمة الإنسان أو الاقتصاد، بل تظل منتجات فكرية معرفية مجردة، لا تخدم أحدا، وهنا نرى أن مرحلة وسيطة مفقودة، مما يخلق فجوة معرفية ورقمية ولا يمكن سدها من خلال الأبحاث فقط، ونرى هذا اليوم في مؤسساتنا البحثية، فهي تقوم بما هي مطالبة به، ولكن تعجز عن تحقيق أهم مرحلة وهي تحويل تلك المنتجات إلى سلع وخدمات في السوق، وهذه معضلة لا بد من حلها، وإلا كانت الجهود المبذولة تذهب سدى، ونكون بهذا قد وضعنا أعمدة دعم الاقتصاد على المدى المتوسط والبعيد، ويكون جاهزا لدعم الاقتصاد عند اكتمال مرحلة نضوب النفط والغاز أو على الأقل تراجع قدرة تلك القطاعات على الوفاء بالتزامات الميزانية العامة، إن التطورات والنمو في قطاعات الاقتصاد وتطلعات المواطنين، ستفرض على معدي الميزانيات العامة، معدات تنمو وتتماشى مع تطلعاتهم، وهذا يعني أن مصادر التدفقات النقدية لا بد أن تكون قادرة على تغطية تلك الالتزامات، حينها سيكون الصندوق السيادي قادرا على سد العجوزات، وتحقيق فائض يمكن من تحقيق رؤى الشعب والقيادة، هذا سيتطلب وضع رؤى تمكن من الاستفادة من التطورات التقنية في الاقتصاد العالمي، كيف يمكن المواءمة بين هذين التيارين، تيار التحول من الاعتماد على الموارد الطبيعية، إلى الاعتماد على الموارد الاستثمارية، ومن اعتماد المحركات الاقتصادية التقليدية، إلى المحركات الاقتصادية الرقمية ومن ثم المعرفية، الاستثمار في نقاط التقاطع بين هذين التيارين، هو جوهر الجهود مهما تعددت أو تنوعت، ودون الوعي أن هذا هو التحدي المفروض علينا من والواقع التاريخي فإننا نتخبط بين تقليد ما هو قائم حولنا في بلدان أخرى، وبين ما هو مقترح من قبل بيوت خبرة قد لا تملك المعرفة العميقة بالمجتمع وتاريخه وإمكاناته وقدراته، ودون أصالة الرؤية والغايات فالسعي هو تقليد ما هو متعارف عليه، وهنا يجب الوقوف عند تلك الفرضيات، والتي قد تكون مشتقة من واقع أجنبي غريب على عالمنا الفريد في تاريخه ومعتقداته وعاداته ومفاهيمه، قد تجتهد بيوت الخبرة ولكنها تظل وليدة مجتمعاتها، وتدور في فرضيات ناتجة عن تجربتهم التاريخية الصالحة لهم، ولكن لابد من منتج فكري ومعرفي يتولد من رحم مجتمعاتنا، وهذا لا يعني رفض التقليد فهو الخطوات الأولى للأمم وللأفراد للتعلم، ولكن عدم التسليم المطلق بأن المنتج الخارجي صالح أو مناسب، وقد تكون اللحظة المناسبة قد حلت من أجل خلق إجابات أصيلة لمجتمع أصيل، خبر التحولات وكان صانع لها، ولا يضره اليوم أن يأخذ المبادرة ويباشر عمله فقد خبر اليوم وعرف أنه هو القادر على الإجابة عن همومه وليس من العدل توقع أن يأتي الغريب ليجيب لنا عن همومنا التنموية أو المجتمعية المعرفية أو العلمية أو حتى حقول التعليم والتدريب، نحن أقدر ببعض الثقة وتعلم أن الحياة تأتي من التجربة وأن الفشل هو بداية طريق النجاح، النجاح تجربة ورحلة معاناة يتخللها الفشل ولكن عدم قبول الفشل كإجابة بل البحث ومعاودة التجربة حتى نصل لإجابات قادرة على إرضائنا.