02 نوفمبر 2025
تسجيلأسبوعان بالضبط يفصلان تركيا عن موعد الانتخابات البلدية التي ستجري في الثلاثين من الشهر الجاري. ولم يسبق لمثل هذا النوع من الانتخابات أن عرفت هذا الاهتمام الشديد مثل الذي تعرفه الآن. إذ غالبا ما تكون الانتخابات المحلية فرصة لقوى سياسية هامشية أو غير سياسية لتجد لها حصة وموقعا في النظام العام السياسي والاجتماعي.فالقانون الذي يحكم فوز هذه اللائحة أو تلك لا يرتبط بنتائج الانتخابات على مستوى البلاد، بل بما يقرره سكان محافظة أو بلدة أو حتى قرية فيما يتعلق مثلا بانتخابات المخاتير. كما تتحكم العوامل المحلية بالنتائج مثل الانتماء العشائري والمذهبي والاتني والمناطقي، كما الشخصي، بميول التصويت لدى الناخب. أي أن الناخب الكردي في المناطق الكردية ستكون الأولوية عنده للمرشح الكردي ومرشح إحدى العشائر سيحظى بتأييد أبناء عشيرته ولو اختلفت انتماءاتهم الحزبية. وهنا يجدر التذكير بأن المجتمع التركي لا تختلف بناه الاجتماعية عن مثله من المجتمعات العربية أو الإسلامية لجهة التعصب في الانتماء الديني أو المذهبي أو العشائري رغم تجربة حداثة عمرها تسعون عاما وهذا بحد ذاته يستحق الدراسة ومدى ملاءمة أو تقبل المجتمعات ذات الهوية الإسلامية للحداثات على النمط الغربي.لذلك فإن اختلافات النتائج للحزب الواحد بين انتخابات نيابية وأخرى بلدية كانت تعكس هذا الأمر. فعلى سبيل المثال فإن أصوات حزب العدالة والتنمية بلغت في الانتخابات البلدية عام 2009 حوالي 39 في المئة، في حين بلغت أصواته في الانتخابات النيابية عام 2007، 47 في المئة وعام 2011، 49 في المئة.غير أن الانتخابات البلدية المقبلة في آخر هذا الشهر سوف تكون مختلفة بالكامل عما قبلها. إذ إن الصراع المحتدم منذ عدة أشهر بين رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان والداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولين ترك أثره على المشهد السياسي الداخلي، بحيث بلغ الاستقطاب الداخلي ذروته في الأسابيع الأخيرة بعد توجيه اتهامات فساد إلى أردوغان وحزبه وبعد اتهام أردوغان لخصومه ولاسيما غولين بأنهم أدوات في مؤامرة خارجية كبيرة.الصراع الداخلي في تركيا غير مسبوق ولم يحدث أن انقسمت البلاد إلى هذا الحد بين فريقين أساسيين. الأول حزب العدالة والتنمية والثاني جميع القوى المعارضة الأخرى من قوميين ويساريين وعلمانيين وعلويين وأكراد وليبراليين. غير أن ما يميز الاستقطاب الحاد الحالي هو انقسام القوى الإسلامية على نفسها بمعزل عن توجهاتها السياسية. ذلك أنه بعد انشقاق عبد الله غول ورجب طيب أردوغان عام 2001 عن نجم الدين أربكان وتأسيس حزب العدالة والتنمية انقسم الإسلاميون بين المؤيدين لأربكان وقد باتوا قلة قليلة للغاية، وبين جبهة تضم كل المتضررين من المنظومة العلمانية- العسكرية وتضم حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله غولين والعشرات من الطرق الدينية والمنظمات، بما فيها الراديكالية. وهو ما سمح لأردوغان بالانتصار في كل معاركه الانتخابية النيابية والبلدية.لكن اليوم المشهد مختلف وهو أن كل القوى الإسلامية الأخرى التي ليست منتمية لحزب العدالة والتنمية لم تعد تؤيد أردوغان وخصوصا الشريك له في كل مسيرته السياسية منذ العام 2002 أي جماعة فتح الله غولين.لا أحد يدري مدى التراجع في الأصوات الذي يمكن أن تتعرض له شعبية أردوغان، لكن المناخ النفسي ضاغط على أردوغان، بحيث انفضت من حوله كل القوى الإسلامية الأخرى. هذا لا يعني أن أردوغان سيتعرض للهزيمة في الانتخابات البلدية، فاستطلاعات الرأي لا تزال تعطيه انتصارا مريحا بين 40 و45 في المئة على الأقل. لكن المعيار هنا ليس نسبة الأصوات، بل كون أردوغان يخوض معركته وحيدا وهذا بحد ذاته ليس جيدا له ولا يعبر عن مظهر مرن لحزب العدالة التنمية وهو ما يجعل الحياة السياسية مخنوقة إلى حد كبير وتحتاج ربما إلى حدث يعيد خلط الأوراق بهذا الاتجاه أو ذاك. وقد لا يتأخر هذا الحدث بعدما ألمح أردوغان إلى أنه يعد خصومه بخطوات كبيرة بعد الانتخابات البلدية وهي خطوات فسّرها البعض بأنها هجوم مضاد شامل ضد غولين، بما يفتح الباب أمام محاكمته وتصفية نفوذه نهائيا وهو ما يجعل الانتخابات البلدية المقبلة سياسية قبل أي شيء آخر.