15 سبتمبر 2025

تسجيل

أفول السلطة الرابعة والحاجة إلى السلطة الخامسة (1)

15 مارس 2014

ما يدور في العالم هذه الأيام من أزمات وحروب ونزاعات وخلافات دولية، وما شهده العالم بأسره من تداعيات وانعكاسات 11 سبتمبر 2001 يؤشر إلى تطورات خطيرة قد تعصف بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة حتى في أعتق ديمقراطيات العالم. ما كان متعارفا عليه في الأوساط الإعلامية والسياسية بالسلطة الرابعة أي سلطة الإعلام التي تراقب السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية أصبح في خانة التاريخ وأدبيات الماضي، حيث إن ما يحدث هذه الأيام في الأوساط الإعلامية العالمية أصبح بعيدا كل البعد عن أطروحة وسائل الإعلام كقوة مضادة أو سلطة تراقب تجار الحروب والأسلحة وصقور البيت الأبيض. فالإعلام الذي يغطي أحداث ومجازر ومذابح بؤر توتر عديدة في العالم أصبح يطبل للحرب أكثر مما يعبر عن بشاعتها وعدم شرعيتها وقانونيتها وإنسانيتها وعن خسائرها وتداعياتها وانعكاساتها السلبية الكبيرة. الإعلام كسلطة رابعة أصبح أسطورة وأصبح نظرية جوفاء لا أساس لها من الصحة في أرض الواقع. وسائل الإعلام أصبحت جزءا من القوى الفاعلة في المجتمع وأصبحت جزءا من البنية الفوقية التي تتحكم فيها قوى المال والأعمال والسياسة. فالإعلام الذي كان من المفروض أي يكشف العيوب والتجاوزات والمغالطات الكبيرة والتلاعبات الخطيرة بالرأي العام أصبح جزءا من اللعبة يبرر ويفسر ويضلل ويعتم لصالح الوضع الراهن ولصالح القوى الفاعلة في المجتمع على حساب غالبية الشعب وعلى حساب الموضوعية والحرية والحقيقة.بالأمس كذب جورج بوش الابن على الشعب الأمريكي وعلى العالم بأسره وبرر حربه على العراق بأسلحة الدمار الشامل وعلاقة صدام ببن لادن، وصدّق الشعب الأمريكي والعالم بأسره الأكذوبة وغزت أمريكا العراق بحجة الحرب على الإرهاب. وتكررت الأكاذيب وجاءت أمريكا على الأخضر واليابس بحجة الزرقاوي والإرهابيين في الفلوجة. الاتحاد الأوروبي الداعي والمدافع عن حقوق الإنسان وحرية الشعوب انحاز إلى السكوت والتواطؤ الضمني على حساب قول الحق. في دارفور تحرك العالم في الاتجاه الذي حددته أمريكا والآلة الإعلامية العالمية ورفعت القضية إلى مجلس الأمن، أما ما يحدث في غزة فلا يهم لا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا الإعلام الذي من المفروض أن يحترم رسالته ويحترم نفسه ويحترم الموضوعية والحرية وقول الحقيقة مهما كان الثمن. الممارسات الإعلامية هذه الأيام في عصر تكنولوجيا المعلومات والعصر الرقمي والعولمة تؤكد أفول السلطة الرابعة وانهيار أطروحة الإعلام كقوة مضادة وقوة فاعلة في المجتمع تراقب وتستقصي وتكشف عن الحقائق. فحتى في الدول الديمقراطية التي جاءت الحكومات فيها عن طريق الانتخابات الديمقراطية وحيث نلاحظ الفصل بين السلطات خاصة السلطة القضائية والسلطة التنفيذية نلاحظ اختراقا لمبادئ عديدة من أهمها الحق في الحصول على المعلومة واختراق الحريات الفردية والخصوصية وإلى غير ذلك. فقانون المواطنة Patriot Act في أمريكا يعتبر انتهاكا وتدخلا سافرا في خصوصية وحقوق المواطن الأمريكي وخاصة المواطن من أصول عربية أو إسلامية.فمنذ بروز العولمة أصبح مبدأ السلطة الرابعة فارغا من محتواه ولا يعني الكثير في عالم الاحتكارات الإعلامية والصناعات الثقافية العالمية التي تنمّط وتقولب الرسائل الإعلامية وفق منظور معين ومنطق محدد مسبقا. مؤسسات إعلامية ضخمة فرضت نفسها على الصناعات الإعلامية وأصبحت تحتكر الصوت والصورة والنص، شركات رأسمالها يقدر بعشرات المليارات من الدولارات مثل "نيوز كورب"، "فياكوم"، "أ.أو.أل تايم ورنر"، "جنرال إلكتريك"، "مايكروسوفت"،"برتلسمان"، "مايكروسوفت"، "يونايتد جلوبال كوم"، "ديزني"، "فرانس تليكوم"، "تليفونيكا". لقد قضت الثورة الرقمية على الحدود التي كانت تفرق بين طرق الاتصال التقليدية: الصوت، النص، الصورة. كما جعلت من الإنترنت وسيلة اتصالية عالمية لا تؤمن لا بالحدود ولا بالأيديولوجيات ولا بالحواجز اللغوية. الإنترنت أصبحت الوسيلة الاتصالية العالمية التي يستعملها ويتفاعل معها مئات الملايين من البشر. فالعولمة هي عولمة وسائل الإعلام والاتصال وهي عولمة الشركات الضخمة التي تعد ميزانيتها بمئات المليارات من الدولارات، هذه الشركات أصبح شغلها الشاغل الربح والكسب والتوسع والشهرة والعالمية على حساب "السلطة الرابعة" التي أصبحت موضة متآكلة تجاوزتها الأحداث في عصر العولمة. هذه الشركات الضخمة لا تهمها التجاوزات التي تحدث في حق حرية الصحافة وحرية الكلمة وقول الحقيقة. فهي بكل تأكيد لا تستطيع أن تكون لا سلطة رابعة ولا سلطة مضادة تقف أمام أنانية أباطرة أصحاب المال والنفوذ السياسي في المجتمع، حيث إن الشركات الإعلامية الضخمة أصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام أو " الإيستبليشمنت" Establishment على حد قول الأمريكيين، فالمؤسسات الإعلامية مع الأسف الشديد انحازت لسلطة المال والسياسة على حساب السلطة الرابعة والسلطة المضادة. فهي طرف في اللعبة حيث أصبحنا نلاحظ تداخل المؤسسات الإعلامية في المؤسسات الصناعية والعسكرية والكل أصبح يتكامل ويتواطأ ويتعاون من أجل المال بغض النظر عن الوسائل والطرق المستعملة وبغض النظر عن الثمن أو المبادئ التي توضع عادة في أدراج الرياح.بأفول السلطة الرابعة يتحتم على المجتمع محليا ودوليا أن يفكر في إقامة السلطة الخامسة للتصدي لأشكال وأنواع الدعاية والتلاعب بعقول الناس. السلطة الخامسة تتمثل في المجتمع المدني الذي يجب أن ينظم نفسه لمواجهة سلطة وسائل الإعلام التي انحازت للسلطات الثلاث في المجتمع وخاصة سلطة المال والسياسة. ما حدث في فنزويلا بين وسائل الإعلام والرئيس "هوغو شافيز" وما حدث بين وسائل الإعلام في الشيلي والإطاحة بـ"سلفادور أليندي" وما يحدث هذه الأيام في أوكرانيا وفي سوريا، كلها أدلة مخزية تؤكد إفلاس الأنظمة الإعلامية المختلفة ووقوفها إلى جانب أصحاب المال والسياسة وتجار الحروب والأسلحة على حساب الجماهير البريئة والرأي العام الذي لا حول ولا قوة له، تتلاعب به رياح الدعاية والتعتيم والتضليل كما تشاء. فوسائل الإعلام في القرن الحادي والعشرين، قرن العولمة وعصر الرقميات ما هي إلا الذراع اليمنى للهيمنة والسيطرة والتحكم في مخرجات الفكر والرأي والأيديولوجية.