17 سبتمبر 2025
تسجيلتواجه العلاقات السودانية – المصرية تعقيدات جمة ولم تخرج حتى من حالة اللااستقرار، بيد أن لدى الطرفين إرادة قوية بعدم ترك الأمر يصل إلى مرحلة القطيعة.. أول زيارة خارجية لوزير الخارجية المصري نبيل فهمي بعد الانقلاب الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي السابق محمد مرسي، كانت صوب الخرطوم، وفي الأسبوع الماضي، وفي أقل من ستة أشهر، زارها مشاركا في اجتماعات المجلس التنفيذي لتجمع الساحل والصحراء.. وسبقت زيارة فهمي الأخيرة زيارتان، الأولى لوزير الدفاع السوداني والثانية لوزير الخارجية السوداني.. تبقى قضية حلايب خميرة عكننة لعلاقات البلدين، لكن محل الخلاف الأكبر هو تباين المرتكزات الفكرية والسياسية للنظامين؛ فالنظام السوداني مصنف نظاما إسلاميا، بينما النظام في مصر مصنف كنظام علماني.. لكن هذه الخلافات عند البعض لا قيمة لها إن اتجه النظامان إلى تشكيل شراكة اقتصادية وتأسيس علاقتهما على قاعدة من المصالح المشتركة.. ويقول أولئك إن السودان ومصر، كلاهما في حاجة ماسة للآخر من الناحية الاقتصادية وأن الأزمة لديهما في الوقت الراهن أزمة اقتصادية في المقام الأول.العوامل الخارجية إقليميا ودوليا قد لا تساعد البلدين على تجاوز حالة اللااستقرار؛ فالولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل لن تسمحا بقيام شراكة اقتصادية بهذا الحجم، فواشنطن أكبر مانح للمعونات لمصر وتقف ضد أي تحالف، بل حتى علاقات ثنائية تتعدى مربع الفتور، ومعروف أن مصر ثاني أكبر بلد في إفريقيا بعد أثيوبيا يتلقى المعونات الأمريكية، خاصة القمح، فواشنطن تدرك تماما أن ولادة قوة إقليمية ضاربة ستكون خصما على إسرائيل وخصما على إستراتيجياتها في المنطقتين العربية والإفريقية.. العلاقات السعودية – المصرية اليوم قوية إلى حد التحالف، ومن المؤكد هناك ظلال كثيفة لإعلان السعودية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، واليوم لم تعد مصر في ظل أوضاعها المعروفة دولة عربية قائدة، إذ تحولت أو كادت أن تتحول القيادة إلى المحور السعودي، وبالتالي فإن ظلال الرؤية السعودية تغطي الأفق المصري بكثافة، والسعودية إن أرادت معاقبة السودان على انتمائه للإسلام السياسي فإنها لن تفعل ذلك بشكل مباشر كما عرف عنها ولكن تفعله عبر لاعبين آخرين مقابل أموال طائلة تدفع بها إليهم. والسعودية لا تبدي ارتياحاً لأي نظام إسلامي في الخرطوم أو أي دولة مجاورة، باعتبار أن الإسلام السياسي يهدد حكم أسرة آل سعود ولذا هناك توافق سعودي أمريكي على مكافحة الإسلام السياسي. والقوة الإقليمية التي يمكن أن تتشكل على قاعدة الشراكة الإستراتيجية بين مصر والسودان ستكون خصما على الزعامة السعودية، فضلا عن أنها خصم على إسرائيل كما أسلفنا، ومن هنا يمكن تصور حجم المقاومة التي يمكن أن تبديها السعودية وإسرائيل عبر حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.لا يبدو أن طريق إقامة علاقات إستراتيجية بين السودان ومصر سيكون مفروشا بالورود.. إذ لا تكفي النوايا الحسنة ولا العاطفة الجياشة في عالم السياسة الدولية بالغ التعقيد.. إن الحديث (الكلاسيكي) بشأن أن مصر امتداد طبيعي للسودان وكذا السودان امتداد طبيعي لمصر غدا حديثا مكرورا، بل ممجوج، فقد حان الوقت لأن ينُظر لتلك المقولات بجدية أكبر، بحيث تتجاوز محطة (الكلاسيكية) إلى محطة الفعل الحقيقي.. مصر تواجه أخطارا من تغير المناخ تعتمد بشكل كامل تقريبا على مياه النيل وتتابع بقلق مشروعات السدود التي تقام في دول أعالي النيل.. إن على السودان ومصر أن يدركا أن دورهما في منظومة دول حوض النيل أكبر من أن يقفا في محور مضاد لبقية الدول السبع.. فالدور التاريخي لكل من السودان ومصر يتطلب أن يشكلا قيادة وقدوة لباقي الدول.. هذا الدور المرتجى لن يتم إلا بتعاون وتطابق مقدّر في وجهات النظر في القضايا المختلفة. إن آمال وأحلام الشعبين السوداني والمصري في تحقيق التكامل الذي أصبح ضرورة ملحة؛ بيد أن الطريق طويل وشاق ومن الضرورة بمكان أن يبدأ البلدان السير فيه فوراً.. لابد أن يتجاوز النظامان في الخرطوم والقاهرة عقدة توظيف الدين في العمل السياسي، أو توظيف المقدس تحديدا.. ليستحضر نظام مصر أن المكوّن الفكري السياسي للحركات الإسلامية حول العالم تأسس على أدبيات وتجارب تراكمية أهم ما فيها أن الإسلام دين الوسطية، وليس الدين مجرد مجموعة شعائر وحركات ظاهرة مجوّدة دونما بعد معنوي.. لا يجب أن تتجه ممارسة السياسة الرسمية في كلا البلدين نحو مصادرة المجال السياسي كمجال عمومي، وتنمية وتغذية شروط احتكار السلطة، ومنعها من أن تصير إلى تداول عام ديمقراطي بين المكونات السياسية في المجتمع.