16 سبتمبر 2025
تسجيلسنّة الله في أرضه التدافع، أو صراع الخير والشر، ووجوب الحراك المستمر لمعسكر الحق لردع معسكر الظلم أن يتغول ويتطاول وينتشر، وإلا فالأرض تفسد بفساد فريق الظلم.. هكذا الأمور واضحات بينات في القرآن الكريم. آية التدافع أو مقاتلة أهل الشرك والظلم والطغيان واضحة بينة، وأنه لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، لاستولى أهل الشرك، وعطلوا ما بناه أهل الديانات من مواضع العبادات - كما قال القرطبي في تفسيره - ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. من هنا نفهم أن الجهاد أمر متقدم في الأمم، وبه صلحت الشرائع، واجتمعت المتعبدات، فكأنه قال: أُذن في القتال، فليقاتل المؤمنون. ثم قوّى هذا الأمر في القتال بقوله ( وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس) أي: لولا الجهاد والقتال لتغلب أهل الباطل على أهل الحق في كل أمة. فالآية الكريمة تفيد بأن الله تعالى قد شرع القتال لإعلاء الحق وإزهاق الباطل، ولولا ذلك لاختل هذا العالم، وانتشر فيه الفساد. إن حقيقة التدافع، وضرورتها في الحياة الدنيا من أجل تحقيق العدالة في الأرض، تحتاج يقيناً راسخاً لا يتزعزع. بمثل ذلكم اليقين، انتصرت الفئة المحتسبة القليلة الصابرة، التي كانت مع طالوت. وما جاء النصر إلا ليقين ترسخ عندهم، وأهمية قيامهم بمجاهدة أهل الشرك والظلم والبغي الذي كان يمثله جالوت وجنوده حينذاك. ولولا مجاهدتهم، لربما عاث جالوت وجنوده في الأرض فساداً. ولهذا وجبت مجاهدتهم ودفعهم إلى أضيق الزوايا، كي لا تتاح لهم حرية التحرك لإهلاك الحرث والنسل والإفساد في الأرض. دفع البغي الصهيوني قصص القرآن المتناثرة في سورها المباركة حول البغي والعدوان والظلم، وضرورة دفع كل تلك السلوكيات والأفعال غير الإنسانية وغير المقبولة، إنما لتذكير قارئ القرآن بشكل دائم على أهمية هذا الأمر، وأن هذا التدافع وهذا الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة، لا يقف ولا يهدأ، وإن تغيرت صوره وأشكاله، لكن الفكرة واحدة، والمفهوم هو نفسه. الباطل يسعى لسحق الحق وأهله، ومعه وسائله المتنوعة المتعددة. والحق بالتالي وأهله، ليس لهم سوى التصدي لهذا الباطل، ودفعه بكل الوسائل الممكنة. قصة طالوت وجالوت كما ذكرناها سابقاً، تذكير لنا أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – على وجه الخصوص، بأهمية دفع الباطل المتربص بنا، الذي لا يهدأ له بال منذ ظهور خاتم الأنبياء والمرسلين، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ها نحن أولاء نقف ونرى البغي والعدوان الصهيوني المتوحش على قطعة أرض مسلمة في غزة الأبية، وعلى نفوس أهلها الصابرين، يتجرعون عذابات العدوان الغاشم من ثلة بغيضة مكروهة عالمياً منذ القدم، إضافة إلى ما يتجرعونه من أشكال خذلان ذوي القربى والجوار والانتماء، العربي منهم والإسلامي. اليوم يمثل البغي والظلم الصهيوني معسكر جالوت، بينما معسكر طالوت به نفس تلك الثلة القليلة الصابرة التي لم تشرب من الماء الذي منعهم طالوت منه إلا بقدر ما يقيم صلبهم. ثلة قليلة محتسبة صابرة، لكنها قادرة بحول الله تعالى منذ أشهر عدة، على أن تذيق العدو مرارة الحروب النفسية والمادية، من قتل وأسر وتوتر وقلق وفقدان أمن، على رغم الفارق في العدد والعدة بين المعسكرين، كما كان قديماً وسيكون مستقبلاَ أيضاً. معسكر طالوت الغزاوي إن طوفان الأقصى لا يزال له زخمه وتأثيراته حتى يوم الناس هذا. إن ذلكم الطوفان هو جزء من معركة التدافع بين الحق والباطل. لقد ظهر معسكر طالوت الغزاوي أمام هذا الباطل، أو معسكر جالوت الصهيوني المحتل المتجبر، من بعد أن اعتدى الأخير وتطاول وبغى في الأرض، وتجاوز كل محظور، فكان لابد أن يتصدى له متصد، ولابد أن يقف أمامه ويوقف تجاوزاته وظلمه وعدوانه أحد يحمل راية الحق، فلم يظهر أحد، كما هي العادة في معارك الحق والباطل، سوى ثلة قليلة تمثلت في مجاهدي عز الدين القسام وإخوة آخرين لهم في غزة، يمثلون معسكر الإيمان أو معسكر طالوت المؤمن، وقد حملوا راية الجهاد ضد هذا الباغي المحتل المجرم. ما يحدث من إجرام وسفك للدماء الزكية في غزة أمام العالم وبمباركة من أهم دوله، ليس بالغريب في معارك الحق وصراعه مع الباطل. التضحيات في المعارك الفاصلة والحاسمة تكون عادة كبيرة وغالية، والذين تسيل دماؤهم ليسوا أي أحد، بل هم المصطفون الأخيار، الذين يختارهم الله عز وجل لمثل هذا الشرف. فلقد خرج الآلاف مع طالوت يريدون ملاقاة جالوت، لكن مع أول اختبار انفض كثيرون عنه، بل حتى الثلة القليلة الباقية، أصابت بعض أفرادها لوثة خوف من بقايا حب الدنيا حين قالوا " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" لكن جاءهم الرد من فئة أخرى تركت الدنيا واشتاقت للآخرة " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين ". حسبنا الله ونعم الوكيل الفئة الطالوتية قليلة العدد عظيمة الأثر، تتكرر في كل زمان ومكان، ومن قدر الله عليها أن تواجه بيقين وإيمان راسخ، تحديات التفوق العددي وتفوق العدو في العتاد والسلاح، وفي الوقت ذاته تتلقى سهام التخذيل والتخوين والإرجاف من القريبين قبل الأبعدين، وتزداد آلام هذه الفئة حين ترد إلى أسماعها أقوال التخويف والإرجاف كما جاء في القرآن " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " فتجدهم وقد رزقهم الله رداً حازماً حاسماً هو نتاج إيمانهم ويقينهم الراسخ، فيقولون بثقة المؤمن المحتسب " حسبنا الله ونعم الوكيل ". نعم، بهذا التحسب، يستعين المؤمن بربه ويسأله المدد والقوة، وهي أساسيات النصر وتفريج الكربات، كما جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.