11 نوفمبر 2025
تسجيلجرى وصف المراحل المفصلية لتطوّر الحضارة البشرية بالثورات، برغم كونها أساس تغيرات متدرجة وتراكمية. ويشمل هذا التوصيف عادة الثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة التقنية المعلوماتية كما صنفها آلفين توفلر Alvin Toffler في كتابه «الموجة الثالثة» “Third Wave”، ثمَّ ما يوصف اليوم بالثورة الصناعية الرابعة التي تشمل التطور في تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي والحواسيب الكميّة وغيرها. إن الحديث عن الفضاء السيبراني لا يكتمل من دون الإشارة إلى التطورات المتسارعة في مجال الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، أي الثورة الصناعية الثالثة، أو ثورة المعلومات أو الثورة الرقمية. وهو التحول الذي طرأ على المجتمعات البشرية بحيث انتقلت من مجتمعات صناعية إلى مجتمعات معلوماتية تعتمد في إدارة شؤونها على التكنولوجيا الرقمية والإلكترونية واقتصاديات المعرفة، وتستند هذه الحقبة إلى الثورة الصناعية الرابعة التي سنتناولها فيما بعد. يُعدّ ظهور ثورة المعلومات أحد أهم الأحداث التاريخية في الحياة الإنسانية، وهناك من يرى أنها، بلا شك، أهم حدث في نشر المعلومات منذ مطبعة جوتنبرج Gutenberg كونها تمثل تحولًا أكبر بكثير في الاتصال البشري. فقد أدّت هذه الثورة إلى ظهور ما يُعرف بمجتمع المعلومات الذي تمثّل بإنتاج المعلومات ومعالجة البيانات التي ساهمت في وجود نشاط إنساني منظّم. كما استطاعت الثورة المعلوماتية وما تضمّنته من تكنولوجيا حديثة للاتصالات تخطي الزمان والمكان، فقد جرى نقل الصورة والصوت تلقائيًا عبر الأقمار الصناعية وشبكتها المجهزة بالحاسوب، ما سهَّل عملية الاتصال. تميّزت الثورة المعلوماتية بانتشار الأتمتة من خلال استخدام الإلكترونيات وأجهزة الحاسوب، والإنترنت، وشهد هذا العصر ظهور الإلكترونيات التي مكنت من أتمتة العمليات الصناعية على نحو لم يسبق له مثيل، وتقدم التكنولوجيا من الأجهزة الحاسوبية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم. فالتبادل الإلكتروني للمعلومات يعد أحد التغيرات المهمّة مع الثورة الرقمية، كما أنّ التطور الجذري في الاتصالات الرقمية والحوسبة هو جوهر الثورة التكنولوجية. إن التطورات التي تسعى إلى الاستحواذ على القوة والتطور والحداثة متسارعة في هذا المجال الذي يشهد منذ بداية الألفية الثالثة ثورة حقيقية ألقت، ولا تزال تلقي، بتأثيراتها الجذرية والعميقة في مختلف جوانب الحياة البشرية، الاجتماعية والثقافية والسياسية، والاقتصادية والأمنية والعسكرية. وجاء ذلك مع تطور البيئة التكنولوجية، سواء على مستوى التطبيقات أو حجم الانتشار. وزادت عملية إنتاج المحتوى الرقمي، وارتبطت بتلك العملية زيادة في إنتاج المعلومات الشخصية، وباتت تُستخدم في مجالات الحياة كافّة مع عملية التحول الرقمي الذي تطبقه كثير من حكومات العالم، سواء في تقديم الخدمات أو في عمل البنية التحتية، وأصبح للبيانات قيمة أكبر من أي عهد مضى في خلق الوظائف ودعم عملية الإبداع والابتكار التي أصبحت من ضمن ركائز القوة الاقتصادية للدولة. تعدّ اليوم هيمنة الفضاء المعلوماتي السيبراني المترابط بوشائج الاتصال والمفاهيم المعرفية والشبكة العنكبوتية العالمية والشبكات الحاسوبية الوطنية والمحلية التي تؤمّن الاتصال الحيّ بين جميع الجهات التي استوطنت هذه البيئات الجديدة، أحد أهم خصائص تخطي الفضاء السيبراني للزمان والمكان؛ وبات تعريف المعلوماتية مسألة نسبيّة تتوقف على قدرة كل دولة في تحديد رؤية إستراتيجية واضحة للتعامل مع حجم ما توفره الثورة المعرفية والتكنولوجية من مزايا بشقيها المدني والعسكري، أملًا باستثمار المزايا ومواجهة المخاطر الكامنة في هذا المجال. إن آثار هذا المشهد تتجاوز مجرد نقل البيانات، حيث أسهمت في تشكيل مستقبل يعتمد بشكل أكبر على المعرفة والتفاعل البشري. إنها حقًا رحلة استثنائية نحو تحقيق رؤية مستقبلية متقدمة ومجتمع يستند إلى التفاعل والتبادل المعرفي. مشهد يتجاوز نقل البيانات!