15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الفكر الاستراتيجي القطري أدرك طبيعة التحولات وحتمية تفجر الثورات..قطر سعت لصياغة مشروع عربي وتأطير الثورات من خلال الأدوات المتاحة..قناة الجزيرة الإخبارية أنجح مشروع وحدوي عربي يلبي الطموح الشعبي..الثورات قادرة على إعادة إنتاج نفسها وستأخذ أشكالا متعددة ومختلفة في التعاطي.. عند الحديث عن الدور القطري الإقليمي أو العالمي وصراع الأجندات والمشاريع في المنطقة تحضرني قصة لعراب كبير في الشرق الأوسط هو الملك حسين بن طلال رحمه الله تصلح لأن تدرس في كليات العلوم السياسية ومراكز صناعة القرار في كيفية إدارة الصراع لاسيَّما أن سياسات الراحل الكبير لعبت دورا حاسما في مرحلة دقيقة من حياة الأمة العربية وأسهمت بشكل كبير جدا في الاستقرار النسبي الذي يعيشه الأردن حاليا وسط محيطه الملتهب. كان الراحل الكبير الملك حسين بن طلال رحمه لله كمفكر استراتيجي يحاول المحافظة على آخر موئل هاشمي في آسيا العربية وكان يدرك أن الوجود الأردني وديمومة العرش يتوقف على إعادة ترتيب الوضع الإقليمي للأردن على أساس توظيف عبقرية الجغرافيا لجعله منطقة سلام عازلة ونقطة ارتكاز أمنية يؤدي دورا جديدا يمكنه من الانفتاح على العالم العربي والغربي الذي أغلق بوجهه بعد الاصطفاف السياسي الذي حصل في حرب الخليج الثانية. ولقد كانت أكبر معضلة يواجهها النظام في ذلك الوقت هو الرأي العام الأردني الذي يرفض بغالبيته المطلقة السلام مع العدو التاريخي للأمتين العربية والإسلامية (إسرائيل). إزاء المعطيات أعلاه جمع الملك حسين رحمه الله نخبة من جهابذة السياسة الأردنية وتحدث إليهم عما آلت إليه الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه الوجود الأردني وما جرى من إضعاف المصالح الإستراتيجية والموقف التفاوضي الأردني بعد توقيع ياسر عرفات رحمه الله اتفاقية أوسلو وورود معلومات مؤكدة للجانب الأردني عن توصل الجانب السوري لاتفاق نهائي مع إسرائيل سمي (بوديعة رابين) أنكرها نظام الأسد ثم عاد للمطالبة بها باعتبارها وثيقة السلام بين الدولة الإسرائيلية والسورية وبالنتيجة فلقد خرج هذا الاجتماع الذي حدد مستقبل الأردن وأثر في السياسات الإقليمية بالنتيجة التالية: «الجميع من وإلى الأردن ويعمل تحت مظلة الملك حيث يتم إنشاء تيارين الأول يدعم السلام والثاني يعارضه فإذا نجحت عملية المفاوضات وأفضت إلى نتيجة تقدم التيار الذي كان يدعم عملية السلام لاستلام مفاصل الدولة السيادية وفي حال فشلت عملية المفاوضات يتقدم التيار الذي كان يعارض السلام لاستلام مفاصل الدولة السيادية على أن يقوم هذا التيار باحتواء الشارع فيما لو نجحت المفاوضات ويقوم بقيادته بعيدا عن الفوضى والعنف» وهذا بالضبط ما جرى داخل الأردن. قياسا على الدرس الأردني لا أعتقد أن الوضع العربي يختلف كثيرا هذه الأيام مع فارق هائل جدا ذلك أن النجاح الذي صادفه النظام الأردني في هذا التكتيك الذي خدم الهدف والمصالح الإستراتيجية الأردنية العليا يقابله فشل عربي ذريع في إدارة الصراع في المنطقة لأن السياسات والتحالفات المستحدثة كانت ولا تزال مبنية على اتجاه واحد في التفكير وبقيت السياسات مبنية على أساس تقليدي يقوم على الاستقطاب وثنائياته المفلسة لا عمليات المواءمة والاحتواء. ما استطاع المفكر الاستراتيجي الأردني التقاطه وسابق الزمن في ضمان مستقبل الوجود الأردني على أساسه استطاع المفكر الاستراتيجي القطري التقاطه بشأن الوضع والمستقبل العربي وكان الوحيد الذي وجه ووظف سياساته بهذا الاتجاه وهنا نقول إن هذا المقال ليس دعوة لتفهم السياسة القطرية بقدر ما هو دعوة للاستفادة من هذه السياسة وأدواتها في تحقيق الأهداف الإستراتيجية العربية والانفتاح بشكل أكبر والتعامل بتنسيق وتفهم أفضل مع الإمكانات القطرية الكبيرة والمؤثرة في العالم العربي. فأسوأ ما قيل عن الربيع العربي إنه نتاج مؤامرة دولية لأن عقلية المؤامرة ونمط التفكير الذي بنى العقلية العربية في هذا الاتجاه هو أصلا أحد مشاكل العقل العربي العميقة وهذه العقلية عندما تعجز عن التفكير والتحليل فإنها تضيف الظواهر أو النتائج الطبيعية للأحداث التي عجزت عن تحليلها للقوة الخارقة أو تحميل وزرها للخرافة وللعدو الخارجي الغامض لكنها لا تعمد للتحليل العلمي الموضوعي ولا تبني تصوراتها وسلوكها على حقائق نظرية المصالح الدولية ونقد الذات ولا يقف هذا العقل في لحظة صدق ليقرر أن هنالك أساسا موضوعيا للقيام بهذه الثورات والتي جرى حرفها عن مسارها بالعنف من قبل الجهات التي كانت ولا تزال مرعوبة من طرق الربيع العربي لأبوابها. لنعد للماضي قليلا.. ثلاثة آثار إستراتيجية نشأت عن حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من نظام البعث العراقي وكل ما جرى في المنطقة العربية من احتلال العراق وصولا إلى الربيع العربي كان نتيجة حتمية لهذه الحرب، أولها سقوط نظرية القومية العربية فالتضامن العربي، وثانيا سقوط نظرية الحدود الآمنة الإسرائيلية التي دفعت باتجاه عملية السلام، وثالثها السقوط العقائدي لمعاقل المعسكر الشرقي في المنطقة الذي دفع باتجاه الحلول الإستراتيجية لنظرية الفوضى الخلاقة (كنظرية اقتصادية وجدت تطبيقاتها بالعولمة) وصولا لنظرية الفوضى تحت السيطرة (كنظرية أمنية خرجت عن السيطرة) والتي نعيشها الآن وهذه النظريات تقع في صميم معادلات المصالح الدولية لا خرافات المؤامرة. قدرة المحلل القطري الاستراتيجي على التقاط اللحظة واستيعابه لحجم التحولات الجوهرية التي طرأت على المجتمعات العربية عموما وعلى جيل الشباب خصوصا والذي مل من حالة الهزيمة والتخلف والتراجع العربي وتأخرنا عن ركب الحضارة ووجودنا على الهامش في حركة التاريخ وعدم قدرتنا على تقديم أي إثراء نوعي للحضارة البشرية وتغير أدوات المعرفة والمفاهيم لحالة الشرعية وانتقالها من الدستورية أو الصندوق لفكرة ومشروعية الإنجاز وتاريخ مؤلم من استبداد وفساد وجهل وفقر وانتشار لأدوات معرفة مختلفة وتأثر الجيل الشاب بحضارات أكثر إنسانية كانت ولا تزال أسبابا جوهرية تدفع الجيل الشاب للثورات وللدفاع عنها وتبريرها أو تجديدها ونشر قيمها وأفكارها. الفرق ما بين المفكر الاستراتيجي القطري وغيره أنه كان يدرك طبيعة هذه التحولات وحتمية تفجر الثورات والتغيرات القادمة على المنطقة فكان الوحيد الذي سعى إلى محاولة صياغة مشروع عربي وتأطير هذه الثورات من خلال الأدوات المتاحة لعدم إساءة مركز البلدان التي نشأت أو استقرت أو مرت عليها هذه الثورات أو التي ستنتهي إليها ولو كانت ملكية لا جمهورية لأنه ببساطة (لا حصانة لأحد) فاستخدم أسلوبا عجيبا في التعاطي مع حالة الوعي العربي الجمعي التي تساهم في صياغتها خصوصا لدى الشباب وحاول إنجاح فكرة الثورات المدنية بأقل الخسائر من خلال عمليات التعبئة والتنفيذ الجماهيري رغم أن نظام الحكم القطري هو وراثي بطبيعته، فالعبقرية القطرية أعلاه تجلت في مرتكزين أساسيين الأول هو إعلام قوي (قناة الجزيرة الفضائية) والثاني هو تأييدها لنبض الشعوب المسلمة ومن هنا كانت الأفضلية القطرية في العالم العربي وستبقى لسنوات قادمة. قناة الجزيرة الإخبارية لابد من الاعتراف بأنها أنجح مشروع وحدوي عربي يلبي الطموح الشعبي رغم أنها كانت ولا تزال مصدر أخبار مزعجا لمعظم الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية وحتى الأجنبية - إلا من رحم ربي – أما العجيب في الموضوع أن نفس الجهات التي تبدي انزعاجها أو اعتراضها على قناة الجزيرة الإخبارية تعتبرها أحد أهم مصادر الحصول على المعلومة في العالم العربي، وهذا المشروع العربي النهضوي الذي استطاع تغيير المفاهيم وتقديم الخبر وكسر حاجز الصمت وقيود التعتيم وإخراج الشعوب من حالة المفعول به لحالة الفاعل هو إنتاج قطري بغض النظر عما يقال أو سيقال عنه. أما الامتداد الفعلي الميداني الجماهيري على الأرض فقد كان ومازال قطري التأثير بيد أضخم وأكبر تنظيم عربي إسلامي وهو جماعة الإخوان المسلمين وقد قدم نموذجا عز نظيره في تونس حول مبدأ تداول السلطة والذي نأمل أن يكتب لهذا المبدأ النجاح والترسيخ في الحواضر العربية بشكل ديمقراطي مدني سلمي كخيار وبديل شعبي حقيقي بدلا عن حالة العنف بحيث تؤمن به الدولة قبل الفرد لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة القطرية الإخوانية ليست حالة وصاية على التنظيم بل تأثير ونفوذ نأمل ألا تخرجه عمليات الضغط وتحرفه عن مساره. إذن فنحن ننظر في الحقيقة إلى عبقرية سياسية لم يألفها العرب فلقد مارست قطر العمل السياسي من خلال أدوات نظام الحكم الجمهوري، فعمليات الممازجة والتوليف المدروسة لمكامن القوة في الأنظمة باختلاف أدواتها أخرجت قطر وقدمتها للعالم كحالة استثنائية لم يستطع حجم لا بأس به من الشعوب العربية استيعابه لتأثرها بنظريات المؤامرة ناهيكم عن عجز الأنظمة عن فهم طبيعة هذه التوليفة العبقرية لأن هذه الأنظمة أصلا تقوم بعمليات تموضعها على الاتجاه الواحد في التفكير وليس العمليات الموازية لاسيَّما أن نهج الثورات كان ولا يزال يقلقها لا بل يرعبها باعتبار أن أداة الثورة الأساسية في هدم الشرعيات الزائفة كانت تقوم على مرتكزين الأول هو نقض الاستبداد والثاني نقض الفساد، أما متلازمة الفساد والاستبداد فهي رفيقة درب الأنظمة التي عجزت تاريخيا عن تقديم شيء للأمة يسعفها في دفاعها عن نفسها أو احتسابها حتى على هامش الحضارة. يجب أن يدرك العرب أن الزمن لا يعود إلى الوراء وما صاغته الثورات من قيم ومفاهيم وما خلقته من حواضن فكرية وثقافية لدى الشعوب لا يمكن تشويهه أو تفكيكه وفي حال جرى ذلك بفعل تدخل هذه الأنظمة البائدة فإن الثورات قادرة على إعادة إنتاج نفسها وستأخذ أشكالا متعددة ومختلفة في التعاطي مع الواقع ولابد من إدراك حقيقة مفادها أن من تمتد يده للثورة العربية فإنه يخل بعملية التوازن الطبيعي للفعل ورد الفعل لحركة التاريخ والأمم وهذا الأمر تحديدا أسهم في إطلاق العنان لقوى الشر كافة في عمليات استغلال الفراغ في الدولة والعبث بالثورة غير المنجزة لعدم اكتمال صيغة المشروع النهضوي العربي الذي حاولت قطر من خلال أدواتها المبينة أعلاه ملء فراغه فأدى إلى نشوء جماعات مسلحة خرجت حتى عن حد سيطرة من أنشأها وسقاها وأطعهما وستصله نارها عاجلا أم آجلا. باعتقادي أنه من الخطأ الفادح أن تجري محاصرة قطر وسياساتها في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وقد وصل المشروع الفارسي الصفوي إلى مرحلة بات يتخذ فيها القرار في أربع عواصم عربية ابتداء من بغداد مرورا بدمشق وبيروت وانتهاء في صنعاء ولابد هنا من التذكير بأن الاحتواء القطري لحركة حماس الفلسطينية هو الذي أبقى عليها ضمن المعادلة العربية حتى جرى قطع خط التأثير القطري أو إضعافه لدرجة جعلت من هذه الحركة أن تنظر لإيران ومشروعها كبديل للحضن العربي ومن الحمق والسذاجة بمكان التعاطي مع الحالة الإيرانية بمعزل عن المصالح الأمريكية لذا فإن حركة حماس لا تعدو كونها ورقة تفاوضية بيد إيران لإنجاز مشروع (تصدير الثورة) وتهديد أمن الخليج العربي في حين أنها بالحالة القطرية وتوصيفها هي حركة مقاومة لها هدف سياسي ينتهي بانتهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية. لنقف لحظة حقيقة وصدق مع الذات ونتساءل بالمحصلة النهائية ما هي السياسة القطرية التي لا تنسجم أو تتعارض مع الأهداف السياسية النهائية والتوجهات العامة المعلنة لكل الدول العربية سواء ما يسمى بدول الاعتدال أو محور المقاومة؟ الجميع اختار السلام كخيار استراتيجي عربي والجميع يسعى إلى استقرار وسلامة وأمن الإقليم والجميع يتبنى الخطابات والشعارات والمصالح العربية المشتركة التي لم يقدم أحدهم نموذجا وحدويا أو يسعى لصياغة مشروع عربي حقيقي بعيدا عن الشعارات باستثناء قطر فلماذا تلك المزايدة وهذا الحمق في التعامل السطحي والتعاطي مع دولة قطر وسياساتها ومحاولة كسر شوكة لا بل سيف نحن في أمس الحاجة إليه كأمة؟!! حقيقة نحن لا نستطيع بعث الملك حسين بن طلال من قبره ليقنع العرب بجدوى وأهمية السياسة القطرية في المنطقة ولكن يمكن الاستفادة من مدرسة هذا الراحل الكبير لنقول إنه يتوجب الاستفادة من قطر وتوظيف سياساتها وإمكاناتها وأدواتها في خدمة المشروع العربي الذي إن لم يدركه فالبديل الإيراني أو الإسرائيلي أو غيره موجود وجاهز لمراعاة مصالحه على حساب هذه الأمة، لذا لابد من إعادة النظر والتعاطي مع السياسة القطرية بوصفها خطا سياسيا موازيا لثنائية الاستقطاب في المنطقة باعتبارها خطة بديلة لحالة الفشل العروبية المتوقعة وجزءا من الجهد العربي العام في استقرار المنطقة والوصول لمصالحات بينية وتحقيق مصالح الدول العربية في الاستقرار والأمن والسلام والتنمية. خسرنا كثيرا ولا نريد أن نخسر كل شيء فحياة الطيار الأردني الذي استشهد حرقا مثلا لربما اختلفت بشأنه المعادلات فيما لو تدخلت قطر وضغطت على الجانب التركي أو أطراف الصراع في العراق أو وظفت أدواتها بهذا الاتجاه. وبصراحة فكما لا نريد تكرار مشاهد حرق الجنود والمواطنين العرب في كل بلداننا فلا نريد لتنظيمات مثل الإخوان أن نراها وقد أصبحت مأجورة لدى مشاريع عابرة للأمة ونعم للاحتواء والتوجيه والتأثير القطري بما يخدم مصالح الأمة ولا يجوز زيادة حالة التعقيد بالصراع بخروج قطر من المعادلة فنكون أمام حالة سيندم عليها الجميع بخسارة الأفضلية القطرية.