11 سبتمبر 2025
تسجيلليلى داخلي (سوريا): هذا العمل مقتبس عن نص ماركيز "خطبة لاذعة ضد رجل جالس"، ولقد أخذ المعدّ أمر هذا العمل مقاولاً من خلال الإخراج والسينوغرافيا أيضاً. نحن بإزاء ثورة امرأة. ورجل يجلس أمام جهاز الكمبيوتر، وهي في ثورتها، خاصة وهو غير مهتم بمناسبة عيد زواجهما، العرض عرى الواقع المزيف الذي تعيشه الطبقة الثرية والطبقة المثقفة أفضل ما في هذا العرض الممثلة (روبين عيسى) التي قدمت واقع المرأة الشرقية المأزوم وتطرح مأساتها كزوجة لرجل يهملها وتصرخ فيه "كرهت جسدي وكرهتك وتواصل القول فتقول خربت جسدي ... إلخ) ومع أن زوجها ذو ميول يسارية ويملك الثقافة. إلاّ أنه في واقع الأمر يمارس الاضطهاد عليها. هذا الاضطهاد بوعي. هل هناك مبرر؟ وأين ثقافته إذا كان يعامل زوجته بهذا الإطار من التهميش واللامبالاة. وطوال ثورة زوجته يكون صامتاً، هذا الصمت يقتل المرأة، تلجأ إلى الشراب والتدخين حتى تطفئ نيران ثورتها، والعمل أقرب إلى مونودراما حتى لحظة المكاشفة بخيانة كل واحد منهما للآخر، وعندما تنهار وتحاول أن ترتمي في حضن زوجها يبعدها،والعمل يطرح هذا النموذج اليساري الذي لا يؤمن إلاّ بذاته ولا يهتم إلاّ بمصالحه ويتساوى عنده الإطار السياسي بالأخلاق. هذا العرض في تصوري عرض الممثلة روبين عيسى. ريتشارد الثالث (تونس): كان بحق ختامها مسك. حيث حصد هذا العرض الجميل والممتع الجائزة الكبرى. عرض وإن ارتكن على النص الشكسبيري الخالد، ولكن عرض أثار المتلقي. ذلك أن في كل عصر ريتشارده الخاص. وإذا كان النص الشكسبيري قد طرح قصة ذلك الأب الديكتاتوري. ولكن محفوظ غزال وعبر تدخل المخرج جعفر القاسمي (دراما تورج أيضاً) قدم واحداً من أميز العروض العربية، نعم لقد ارتكن على النص القديم ولكن المعالجة هنا حديثة ومغايرة للبعد الشكسبيري، وأطلق صرخة الاحتجاج أن الشعوب تصنع طغاتها، أين هذا العرض من العرض التونسي الذي شاهدته في مهرجان قرطاج الأخير تحت مسمى تسونامي من إخراج الفاضل الحبايبي وتأليف جليلة بكار. المسرح التونسي بألف خير. فالمؤلف يلجأ إلى الواقع المعيش ويطرح مأساة الشعوب في سلاسة ويسر. وكيف أن هذه الشعوب ترضى بالذل. بعضهم عن طريق القهر وبعضهم عبر الاستسلام والرضا بما واقع. منذ اللحظة الأولى لولوجنا إلى المسرح، نرى فوق الخشبة مجموعة من الممثلين، هذا الإطار يشكل جزءاً من غموض اللعبة المسرحية، المسرح عار من كل شيء. سوى المؤدين وهم يملكون الحضور والقدرة على خلق تجانس حقيقي وواقعي مع المتلقي مع أن هناك زمانين مختلفين ولكن هنا تتجلى قدرة المخرج جعفر القاسمي. كان الاعتماد الأبرز والأخير على الإضاءة. ولقد أدى هذا العنصر دوره في تجسيد كل الحالات الشعورية واللاشعورية، بالإضافة إلى دلالات الزمان والمكان.. نعم هذا العمل التونسي درس جميل لمن يستسهل درس المسرح، أو يعتمد على الإبهار. هنا كان الأداء التمثيلي والإضاءة سلاح المخرج، والارتكان على نص آخر، مجال لخلق مسرحية مرتبطة بالواقع المعيش، من يصنع الطاغية كان هذا هو السؤال المحوري. نحن من نصنعهم. نعم الشعوب هي التي تصنع الطغاة. إذا كان ريتشارد الثالث كان الطاغية فإن الأب (التونسي) صورة من ذلك الطاغية. نعم توفى الأب ولكن حتى في رحيله فإن تأثيره واضح على أسرته، ولقد حاولت الأم أن تجمع شتات العائلة، فهل استطاعت؟ إن المنزل في ظل كل المعاناة يتحول إلى سجن. ولا يوجد تقارب بين الأشقاء. ويكون للخوف دوره في تمزيق الحياة. حياة الأفراد أو الشعوب. كان حصد مسرحية ريتشارد الثالث للجائزة الكبرى. جائزة لمن يستحقها، مع أن المنافسة كانت على أشدها مع نهارات علول – للفنان مرعي الحليان وحسن رجب، ولكن هذا العرض قد خلق حالة حقيقية. ولذا فقد اتصلت بابننا عادل الأنصاري المسؤول عن استضافة العروض في كتارا لاستحضار هذه الفرقة، لتقديم أكثر من عرض لهذه الفرقة (فرقة إنتراكت برودكشن). إن هذه الإطلالة السنوية، وعبر الهيئة العربية للمسرح، احتفاء حقيقي بالمسرح ولا يمكن أن ننسى أن الدعم الكبير من قبل سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى – حاكم الشارقة، هو الراعي والداعم والمساند لكل آمال المسرحيين عبر خريطة الوطن العربي, كما أن القائمين على إدارة هذه المؤسسة العربية – العالمية، وأعني الهيئة العربية للمسرح تلعب دوراً مهماً في كافة الأقطار، وتدعم مسيرة المسرح والمسرحيين أينما كانوا، فتحية إلى أصدقائي الأعزاء في الهيئة وعلى رأسها أمينها العام المسرحي العربي الكبير إسماعيل عبدالله، وإلى جنود مجهولين يحملون على أكتافهم مهمة القيام ليل نهار بخلق تواصل أعمق مع الحراك المسرحي، وأعني الأستاذة ريما الغصين وأمل الغصين، فلهم كل التقدير والشكر، وكل عام ومسرحنا بألف خير.