02 نوفمبر 2025

تسجيل

قبرص وصراع الحضارات

15 فبراير 2014

بعد انقطاع دام سنتين استأنف الجانبان التركي واليوناني من جزيرة قبرص اللقاءات من أجل إيجاد حل للجزيرة المقسمة إلى شمالي تركي وجنوبي يوناني منذ العام 1974. مجرد استئناف المباحثات بعد انقطاع اعتبره المراقبون دافعا للأمل بأن تصل المحادثات هذه المرة إلى نتيجة إيجابية. لا يمكن التكهن بما ستنتهي إليه الجولة الجديدة لكن الطرفين باتا يقبلان عليها بدم بارد ومن دون أي دافع ملح جدا للتوصل إلى نتيجة. فكل منهما يتمترس وراء واقع أصبح مزمنا ولا يمكن أن يخترق إلا بأعجوبة. وإذا كانت الأزمة عرفت مرحلة جديدة مع الغزو التركي للجزيرة في العام 1974 في عهد رئيس الحكومة، العلماني اليساري بولنت أجاويد وشريكه نائب رئيس الحكومة، الإسلامي نجم الدين أربكان، غير أن المشكلة بدأت قبل ذلك منذ أن أعلنت بريطانيا في نهاية الخمسينيات نيتها التخلي عن استعمارها للجزيرة التي استأجرتها في نهاية القرن التاسع عشر من الدولة العثمانية. مجرد شراكة العلمانيين والإسلاميين في التدخل في الجزيرة في العام 1974 يعكس أهمية الجزيرة للأمن القومي التركي التي قال عنها أتاتورك إنها عين الأناضول الساهرة. بل إن القضية القبرصية تعتبر دون أدنى شك شأنا داخليا تركيا. ومنذ أن قررت بريطانيا الانسحاب من الجزيرة بدأ الاشتباك السياسي والأمني بين الطائفتين التركية واليونانية في الجزيرة. ولم تنته مبدئيا إلا باتفاقيتي ميونيخ وزيوريخ بين بريطانيا وتركيا واليونان وتقضي بتأسيس جمهورية قبرص مع تقسيم السلطة بين الطائفتين مع أرجحية طبيعية للقبارصة اليونانيين لأنهم كانوا يشكلون نسبة ثلثي السكان. ولكن الأهم في الاتفاقيتين هي أنه لا يمكن إجراء أي تغيير في الوضع القانوني للدولة الجديدة دون العودة إلى الأطراف الضامنة للوضع الجديد والتي يحق لها التدخل منفردة في حال حصول أي تغيير في الوضع. اتفاقية الضمانة هذه هي التي استخدمتها تركيا في العام 1974 لغزو الجزيرة بعد حدوث انقلاب في الجزيرة ضد المطران مكاريوس رئيس الدولة ونية الانقلابيين إقامة اتحاد مع اليونان وتصفية هوية القبارصة الأتراك. مرت إذا أربعون سنة على تقسيم الجزيرة بين قسم شمالي تسيطر عليه تركيا وجنوبي يشكل اليوم جمهورية قبرص المعترف بها دوليا. ولقد عقدت عشرات الاجتماعات وقدمت مئات المشاريع والمقترحات لحل المشكلة وإعادة توحيد الجزيرة دون نتيجة. ولقد كان انضمام جمهورية قبرص(اليونانية) إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2005 نقطة تحول جديدة سلبية في القضية القبرصية. ذلك أن انضمام القسم الجنوبي من الجزيرة يشجع القبارصة اليونانيين على عدم التنازل لاحقا أو عدم التشجع لإعادة توحيد الجزيرة وبالتالي ترك القسم الشمالي لقدره من العزلة وتحوله إلى مرتع لعصابات الجريمة المنظمة والتهريب وألعاب القمار والتسلية والدعارة ومأوى للهاربين من العدالة في تركيا. ضم الاتحاد الأوروبي لقبرص اليونانية من دون قبرص التركية وقبل حل مشكلة الجزيرة يفتح على "بيت القصيد" في الأزمة القبرصية التي ليست مجرد جغرافيا بل مشكلة تتصل بصراع الحضارات حيث تقع على خط تماس مسيحي- إسلامي وشرقي- غربي. وهي ليست عنوانا بل تفصيل من العنوان الأساسي الذي هو تركيا وعلاقة هذه مع أوروبا والغرب. وإذا عرفنا واستذكرنا تاريخ العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ بروتوكول أنقرة بين الطرفين وعدم دخول تركيا إلى الاتحاد حتى الآن رغم مرور خمسين عاما على بدء المحادثات(نعم خمسون عاما) لفهمنا جانبا أساسيا من أسباب استبعاد قبرص التركية عن الاتحاد الأوروبي إلا إذا انتهجت خيار التبعية الكاملة للجانب القبرصي اليوناني. مشكلة قبرص جزء من صراع الحضارات الذي لا يخفيه الغرب. ومع أن التعاون في مجال النفط والغاز المستخرج في شرق المتوسط بين إسرائيل وقبرص اليونانية واليونان واحتمال انضمام تركيا إلى هذا التعاون حال انتهاء مسألة التعويضات عن ضحايا سفينة مرمرة، هي من العوامل التي تقرب بين الأطراف المتصارعة لمصالح اقتصادية غير أن المسألة القبرصية في أبعادها الحضارية هي من النوع الذي يحتاج إلى إعادة تأهيل حضارية، متعذرة، لكل الأطراف من أجل حلها، ما لم يكن الحل الطلاق بالثلاثة.