22 سبتمبر 2025

تسجيل

أسعار العقارات في لبنان: هل تتراجع أكثر؟

15 فبراير 2012

السكن هو من أبسط حقوق الإنسان أي بالتوازي مع التعليم والصحة والتغذية والحريات. غلاء أسعار العقارات يمنع عمليا على الطبقات الوسطى شراء أو حتى استئجار مسكن متواضع في المدن وضواحيها. الحلول المتوافرة في الدول النامية والناشئة تبقى غير كافية بسبب سؤ التناسب بين العرض والطلب. فالتمويل وأن توافر يبقى فوق إمكانات الطبقات الوسطى وما دون. من ناحية أخرى تتسع فجوة الدخل بين الدول الغنية والفقيرة بسبب الأزمات المالية والسياسات المعتمدة منذ عقود. ارتفعت الفجوة بين الدخل الفردي في الدول الغنية والدول النامية مثلا من 3 مرات في سنة 1820، إلى 11 في سنة 1913، إلى 35 في الخمسينيات، إلى 44 في السبعينات وإلى أكثر من 72 مرة مؤخرا. لا شك أن السياسات الاقتصادية المعتمدة على تطبيق الرأسمالية من دون حدود أسأت إلى الدور الاجتماعي للدولة وهيبتها مما يفرض اليوم إعادة النظر بها. لا أحد يطلب العودة إلى الماركسية بعد التجارب المرة في الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية، لكن هنالك دور للقطاع العام يجب أن يقوم به من نواحي القانون والإجراءات والسلامة العامة والتنظيم المدني والتمويل الميسر. في لبنان وفي ظل الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية المتردية، يشير المنطق إلى حتمية نزول أسعار العقارات. هذا لم يحدث رغم أن الأسعار تدنت بالقيمة الحقيقية بسبب التضخم دون أن تنحدر بالقيمة الأسمية. في البداية، ما هي العوامل التي تدفع أسعار العقارات إلى البقاء أسميا مرتفعة رغم انحدار القوة الشرائية للأجور وزيادة المخاطر الخارجية وتعثر الحكم في الداخل؟ لا شك أن السياسات الإسكانية ليست اليوم من ضمن أولويات هذه الحكومة كما معظم التي سبقتها، وهنالك قوانين مطلوب تعديلها وتبقى في أدراج الحكومة أو مجلس النواب أو الاثنين معا. هنالك إهمال عام واضح لهذه المواضيع، في وقت تعطى الأولويات لأمور جدا ثانوية. ما الذي يحدد الطلب ويبقي السعر مرتفعا حتى في هذه الظروف التي يرتفع فيها العرض؟ أولا: عدد السكان الذي يرتفع سنويا بنسب عالية أي بحدود 1.2% مقارنة ب 0.7% في فرنسا و1.4% في الهند كما تشير إليه إحصاءات البنك الدولي. تشير الأرقام إلى زيادة عدد الأسر المستقلة، أي أن عدد الذين يسكنون في المنزل الواحد ينحدر سنويا. هنالك لبنانيون أكثر فأكثر يسعون إلى السكن خارج المنزل الأهلي حتى قبل الزواج بسبب الرغبة في الاستقلالية والحرية. هذا واضح في المدن خاصة في العاصمة. ثانيا: هنالك ضغط كبير للسكن في المدن خاصة في بيروت بسبب رغبة المواطن في الاستفادة من منافع العاصمة رغم مساوئ التلوث وازدحام السير وتدني بعض الخدمات الأساسية. هذا يجعل تطور الأسعار مختلفا بين المدن وبيروت من جهة والريف من جهة أخرى. فالتكلم عن اتجاه واحد للأسعار خاطئ، إذ أن أوضاع بيروت العقارية مختلفة عن المناطق البعيدة. كلما ارتفعت نسبة الاكتظاظ السكاني، كلما ارتفعت الأسعار مما يشير إلى الفوائد المتزايدة للسكن خارج المدن شرط تحقيق وسائل النقل المناسبة. هنالك مشاريع طرق وجسور وأنفاق تنفذ ببطء لكنها ستسهل الحركة، إلا أن المطلوب أيضا وضع نظام للنقل العام يعتمد على الباصات الحديثة اللائقة يسهل تنفيذها بين المناطق وداخل المدن. ثالثا: يحتاج الإنسان اليوم إلى مساحات متزايدة داخل البيت للعيش والحركة والراحة، وبالتالي لا يمكن للشقة الواحدة أن تستوعب طبيعيا نفس العدد الذي كانت تستوعبه منذ عقود. فالإنسان يتطور في عقليته وحاجاته واستهلاكه ورغبته في الاستفادة من نوعية حياة أفضل. تتغير معالم العيش بسبب وعي الإنسان لفوائد الآليات الحديثة كالحواسب والتجهيزات والسلع والخدمات التي تسهل الحياة وتطورها. رابعا: تتغير عموما نوعية الإنشاء وبالتالي أصبحت التكلفة أكبر. ما شاهدناه من انهيار مساكن وتعرض أخرى لخطر السقوط خطير ومؤسف، وبالتالي يشير إلى الإهمال المتراكم على مستويات عدة منها تشريعية وتنظيمية وتمويلية. المؤسف أكثر هو أن أبنية جديدة تتصدع بسبب الفساد الذي يعشعش في زوايا القطاعين العام والخاص. المطلوب المحاسبة كي لا تتكرر هذه الكوارث ويتحمل كل شخص مسؤولياته، كان مالكا أو مستأجرا أو مسؤولا بلديا أو رسميا. إذا اعتبرنا أن الإهمال في الإنشاء استثناء وأن الأكثرية الساحقة من الأبنية الجديدة متينة، نستطيع أن نفهم أن تكلفة الإنشاءات الجديدة ترتفع بسبب أسعار الأرض والمواد الأولية والمحتويات. خامسا: هنالك رغبة عند اللبناني في شراء شقة يسكن فيها ويورثها لأولاده. أنها طبيعة الإنسان القلق دائما على مستقبله، حيث يأتي المسكن في طليعة الحاجات الإنسانية والعائلية الأساسية. يمكن للإنسان أن يضحي في ملبسه وتغذيته ورفاهيته، ولا يقبل التضحية بشراء المسكن. فالإيجار دائما خطر بسبب إمكانية تغير القوانين من ناحيتي السعر والإخلاء، وبالتالي لا يمكن استئجار مسكن مدى الحياة بل لمدة قصيرة كي يتدبر الإنسان أمره. هنالك مقولة تشير إلى ضرورة شراء المنزل قبل الثلاثين من العمر بحيث تتسدد قيمته قبل الستين أي قبل التقاعد، علما أن العمر المرتقب للبناني يقدر ب 72 سنة. لا مانع من تغيير المسكن كل عشر سنوات بحيث تنتقل العائلة من مساحة إلى أخرى أكبر. يقول "مارك فيورنتينو" الخبير العقاري الفرنسي "أن المسنين هم شباب اشتروا مسكنهم وسددوا قيمته". لا ننسى أن فرص التمويل للشراء أصبحت متوافرة أكثر للبناني ذات القدرة الشرائية المتوسطة. بالرغم مما ذكرنا، هل يمكن للأسعار أن تبقى جامدة أسميا في لبنان؟ لا نتوقع سقوطا سريعا وكبيرا للأسعار، إذ أن حصول ذلك يعتمد على رغبة كبيرة وعامة في البيع وهذا لحسن الحظ غير متوقع. لا بد من ذكر الوقائع التي تشير إلى احتمال بدء الانحدار قريبا وتدريجيا. أولا: ارتفعت أسعار العقارات أكثر بكثير من ارتفاع معدل الدخل خاصة الأجور. الأوضاع الخارجية متردية وبالتالي الطلب الخارجي من لبنانيين وغيرهم ضعيف. العرض كبير وواضح رغم غياب الإحصاءات الدقيقة بشأن الشقق والمكاتب والمحلات الفارغة في العاصمة وخارجها. يشير هذان العاملان أولا إلى عدم إمكانية بقاء الأسعار مرتفعة وبالتالي إلى بدء الانحدار عاجلا أم آجلا. هنالك مصلحة عامة في انخفاض الأسعار أكثر كي يستطيع اللبناني العادي التملك فيتعلق أكثر بأرضه ويطمئن إلى مستقبله. هنالك ضرورة لإصدار قانون إيجارات جديد يحرك قيمة الإيجار سنويا تبعا للتضخم. لا يمكن ظلم المالك كما لا يمكن ظلم المستأجر. المطلوب قانون لا يوقع ضحايا ويسهل السكن للبناني. ثانيا: لا مانع من إدخال ضريبة على المضاربات العقارية أي على العقارات التي تنتقل من مالك إلى آخر ضمن السنة. يجب تشجيع البناء والشراء ومحاربة المضاربة المضرة اقتصاديا والتي تقضي على الطبقات الوسطى وما دون. أضرت المضاربات كثيرا بالأسعار وجعلت تقلباتها تقوى، فساهمت في زيادة قلق المواطن بالنسبة للمستقبل. ثالثا: المستقبل في لبنان هو للمساكن الصغيرة التي تقع ضمن إمكانات المواطن ذو الدخل المتوسط وما دون. الطلب اليوم هو على الشقق الصغيرة ذات المساحة بين 50 و150 مترا مربعا خارج العاصمة والمدن مع نوعية مقبولة تتيح تحقيق الربح للمستثمر وتقع ضمن إمكانات اللبناني ذو الدخل المتوسط. ليس هنالك شيء نهائي إذ يمكن للمواطن أن ينتقل من مسكن إلى آخر مثلا كل 10 سنوات عندما تتحسن أوضاعه المادية وتتوسع عائلته وتتغير حاجاته. المهم الشراء والتسديد تدريجيا وثم الراحة.