15 سبتمبر 2025
تسجيلتوفر الجولة الخليجية للمسؤولين الأتراك الفرصة لتسليط الضوء على جوانب من التجربة التركية ومن الدور التركي في المنطقة. بين قطر والكويت تنقل رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. وفي اليمن كان الرئيس عبدالله غول ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو يجول محييا ذكرى الأتراك الذين سقطوا قديما هناك. “الحملة” التركية الجديدة كانت مجبولة برائحة المال حيث كان أكثر من 400 من رجال العمال الأتراك يرافقون القادة الأتراك طالبين تلزيمهم مشاريع كبيرة تقدر بمليارات الدولارات. السياسة التركية نفسها تنسحب على العراق حيث يتركز الجهد التركي الآن على الاقتصاد بعدما انتهت الأزمة السياسية في غير ما كان يتمناه الأتراك. الانفتاح التركي الاقتصادي على العراق لم يستثن شمال العراق الكردي.هناك ينشط عدد كبير من الشركات التركية وتركيا تتطلع لتنال حصتها من الاستثمار في قطاع النفط.الحساسيات العرقية بين الأتراك وأكراد العراق لم تختف. لكنه الاقتصاد على ما كان يقول الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة اختلطت الأيديولوجيا بالاقتصاد.مشروع تعزيز الحريات والديمقراطية تبعا للشروط الأوروبية كان يستجيب لشروط السوق الحرة:الجمع بين الحريات السياسية والاقتصادية.من هنا كانت البورجوازية التركية من أهم داعمي مشروع حزب العدالة والتنمية.وهنا لا فرق بين البورجوازية العلمانية والبورجوازية الإسلامية.بل كانت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال القوية و“العلمانية” إن جاز التعبير من أقوى الداعمين لسلطة العدالة والتنمية عندما حملت لواء تلبية الشروط الأوروبية لتحديث النظام وحيث أوصلته الحكومات العلمانية السابقة إلى طريق مسدود من جراء مجموعة المحرمات والمحظورات التي كبّلت الحياة السياسية. عندما حصلت حادثة أسطول الحرية استشاط الأتراك غضبا وهذا طبيعي.وقامت الحكومة التركية ببعض التدابير ردا على الحادثة.من ذلك إلغاء بعض الاتفاقيات العسكرية على صعيد المناورات العسكرية وسحبت السفير التركي من تل أبيب وطالبت إسرائيل بالاعتذار والتعويض.لكن الاتفاقيات الأساسية الاقتصادية والعسكرية(اتفاق 1996 مثلا) لم تلغ. ورغم التوتر غير المسبوق بينهما إلا أن الأرقام الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل في العام 2010 بلغت أرقاما غير مسبوقة في تطورها. حجم التجارة بينهما ارتفع بنسبة تقارب الثلاثين في المائة وحجم الواردات التركية من إسرائيل ازداد عن العام 2009 بنسبة أربعين في المائة وشملت الزيادة أيضاً الأشهر التي تلت العدوان على أسطول الحرية وليس فقط قبلها. الأمر نفسه ينسحب على العلاقات مع روسيا.الخطاب القومي التركي السابق كان يحول دون توسيع آفاق التعاون مع روسيا العدوة السابقة القيصرية والشيوعية. حزب العدالة والتنمية أسقط الحواجز التاريخية والحساسيات الدينية والعرقية وأصبحت روسيا الشريك التجاري الأول لروسيا وتكاد العلاقات بين الطرفين تصل إلى مستوى إستراتيجي من خلال التمهيد لإلغاء تأشيرات الدخول تدريجيا.كما أن التعاون في مجال خطوط الطاقة قائم على قدم وساق. ورغم تفاوت طبيعة الأنظمة بين تركيا وكل من سوريا والعراق والأردن ولبنان فإن تركيا قادت مشروع إقامة اتحاد رباعي بين هذه الدول (باستثناء العراق) ووقعت على اتفاقيات إقامة منطقة اقتصادية وثقافية واحدة تمهيدا لإقامة اتحاد سياسي من خلال تشكيل مجلس أعلى سياسي. تركيا الآن أصبحت الاقتصاد رقم 17 في العالم وتأمل أن تكون خلال سنوات قليلة ضمن الاقتصاديات العشر الأولى في العالم. الاقتصاد وحده لا يصنع مشروعا وثقلا سياسيا.النموذج الياباني هو الأبرز.كذلك لا تصنع الأيديولوجيا وحدها مشروعا سياسيا ناجحا ولا وزنا مؤثرا على صعيد الدور.لكن عندما تجتمع قوة الاقتصاد إلى أيديولوجيا تحمل من الكثير من محفزات التاريخ والتطلع إلى المستقبل والإرادة بمكان تحت الشمس، وبمعزل عن طبيعة المشروع الأيديولوجية، فإن فرص النجاح ستكون أكبر وهو ما تمثله الحالة التركية الحالية التي إذا نجحت في استكمال حل مشكلاتها الداخلية وقامت بتصفية حساباتها مع تاريخها فإننا سنكون أمام تركيا مختلفة.