15 سبتمبر 2025

تسجيل

غـزة.. فرصة لا تتكرر

14 ديسمبر 2023

التصريح الوحيد ربما الجرئ لغوتيريش، أمين عام ما يسمى بالأمم المتحدة، في تعقيبه على الوحشية الصهيونية في غزة، قد يكون أوضح إجابة على تساؤلات الغرب وبعض الشرق عن سبب ما جرى يوم السابع من أكتوبر المجيد الفائت. قال:» هجوم حماس على ( إسرائيل ) لم يأت من فراغ، لكن لا يبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة «. بالطبع مثل هذا الفهم لدى أمين عام الأمم المتحدة، وإن جاء متأخراً، ليس هو ما نحن عليه أو غالبية المسلمين، إلا من به صمم وعمى بصيرة. أغلبنا وبحكم ما نحن عليه من فهم ديني وسياسي يرى أن الصهيونية مشروع غربي قامت عليه بريطانيا الاستعمارية أولاً، ثم واصلت المسيرة من بعدها الولايات المتحدة لأجل استمرار الاستعمار الغربي للمنطقة لقرن من الزمان قادم، وهو ما يفسر لك الدعم اللامحدود الحالي من الدولتين أكثر من غيرهما من دول العالم. أتحدث هنا عن الجانب الرسمي بالطبع، لأن الجانب الشعبي في كلتا الدولتين وعموم الغرب، متفاوت ونسبي ومتأرجح بحسب طبيعة كل فترة زمنية وبحسب الأحداث، ومتأثر كذلك بالإعلام الموجّه. الصهيونية صناعة غربية فهم حقيقة الدولة الصهيونية يساعد كثيراً على تفسير أحداث غزة. أقول هذا للجيل الشاب الذي ربما نشأ وهو يحمل فكرة مختزلة ومشوهة عن الحاصل على أرض الواقع في فلسطين، وعلى اعتبار أن جيل السبعينات وما قبله، تصوراتهم أكثر وضوحاً عن جيل الثمانينات وما بعده.. الكيان الصهيوني صناعة غربية كما أسلفنا، ومشروع استعماري خبيث مغلف بطابع ديني كاذب، مزروع في محيط عربي مسلم يجعلنا كأمة عربية مسلمة، أحرص من غيرنا على استمرار مدافعته وعدم استقراره على أرض فلسطين أو أي أرض عربية ومسلمة، وذلكم الفعل يمكن التعبير عنه بمصطلح المقاومة، وهو مصطلح مشروع دينياً وقانونياً وأخلاقياً. مصطلح تم تغييبه عمداً وبشكل متدرج عبر الإعلام الموجّه، وغسيل ثقافي فكري للأدمغة، سواء للشعوب العربية أم الغربية وبقية شعوب الأرض، فليس هناك منطق بشري منذ بدء الخليقة يمنع الدفاع عن الأرض والعِرض والمال بكل ما أوتي الإنسان من قوة. هذا ما تعرفه كل الشعوب التي تحررت من الظلم والاستعمار، وهذا ما أرادت الصهيونية بمعاونة داعميها والقائمين على أمرها إلى اليوم، تغييره وتشويهه وزرعه بالأذهان، وأن المقاومة ما هي سوى إرهاب يجب محاربته ! هكذا استيقظ العالم يوم السابع من أكتوبر المجيد، ليبدأ بالتنديد والاستنكار كالعادة، اعتماداً على ما تم زرعه وصناعته بالأذهان، لكن التدبير الإلهي سرعان ما جعل الأمر يتباطأ تدريجياً هذه المرة، مع حجم وضخامة تهويلات الرواية الصهيونية وعدم توافقها مع المنطق والحس السليم، لتبدأ شعوب الأرض، لاسيما الغربي وتحديداً الأمريكي، بالتفاكر في تلكم الرواية ومقارنتها بروايات أهل الأرض المضطهدين، بل لم تكتف الشعوب بتلك المقارنات، وإنما بدأت رحلة البحث عن الجذور، والعودة بالزمن للوراء، فما ذكره غوتيريش أن أحداث السابع من أكتوبر لم تأت من فراغ، لابد وأن هناك ما دفعه لذلك القول، وأنه لابد من وجود مساحات زمنية سابقة مليئة بالأحداث، تكون ربما هي السبب فيما جرى ويجري إلى يوم الناس هذا. زخم عالمي نادر صار ملحوظاً من بعد تطورات الأحداث في غزة، وخلال شهرين من انكشاف الصهاينة على حقيقتهم البشعة، أن هناك زخماً عالمياً بدأ مناهضاً ورافضاً للفكرة الصهيونية من أساسها، سواء تلك التي يُراد لها أن تترسخ عبر مشروع الدولة الصهيونية بمزاعم دينية على أرض فلسطين، أو تلك التي بدأ العالم يتحدث عنها، والمتمثلة في تغلغل الصهاينة البطيء في مفاصل وأجهزة الدول المؤثرة بالعالم من أجل التحكم في سياساتها وتوجهاتها. هذا التوجه العالمي الذي بدأ الشباب يحركه، ربما فرصة تاريخية نادرة الحدوث، وقد لا تتكرر إن لم يتم استثمارها بالشكل الأمثل، وهذا بالتالي يدعو كل مناصري قضية فلسطين، ابتداء من العالم العربي وصولاً إلى آخرين مؤيدين، إلى نشر وتعزيز الرواية الفلسطينية عن أحداث أكتوبر أولاً، ومن ثم العمل باحترافية على استحضار مشاهد من التاريخ منذ بدء المشروع الصهيوني الخبيث، وبيان زيفه ومآلات بقائه في هذا العالم، بالإضافة دعم التوجهات الشعبية الغربية ولاسيما الأمريكية الحالية في مناهضتها للفكرة الصهيونية، مع ضرورة محاصرة الفكر الصهيوني الذي بدأ ينتشر في العالم العربي عبر أذنابه في أقطار عدة ومجالات مختلفة، ومقاومة كل مظاهر التطبيع أو الدعوة إليه مع الكيان الصهيوني، الذي يعيش حالة من التخبط المرجو دوامها حتى زواله من هذا العالم. ذلك أن تلك المحاصرة وتنظيف الساحات العربية من المحيط إلى الخليج من الملوثات الصهيونية، أمر دافع ومعزز للتحركات الغربية الشعبية وبعض الرسمية، فليس من المنطق أن تنشط الشعوب الغربية في محاربة الصهاينة، ويحدث العكس في الساحات العربية، وهي المعنية أو المتضررة أكثر من غيرها من أفعال وخبائث الصهاينة ومعاونيهم. غزة نقطة تحول غزة اليوم تقدم تضحيات بالدم، لكنها لن تذهب سدى هذه المرة بإذن الله، وستكون بمثابة نقطة تحول مؤثرة على العالم كله، وربما نتائج الأحداث فيها تغير الكثير الكثير في العالم، والذي لا بد من التغيير. أحداث غزة هي فرصة أو حدث تاريخي لا يجب أن يمر مرور الكرام. انسحاب الصهاينة من غزة ليس هو الهدف، إنما هو هدف واحد ضمن عديد الأهداف الكبيرة، التي لابد من العمل على تحقيقها، بغض النظر عن الوقت، فالهدف الأسمى هو تحرير كافة فلسطين من هذا المشروع الصهيوصليبي، وتنظيف ساحاتها من كل ملوثات وقذارات آل صهيون، المادية والبشرية، وفرصة للخلاص من عصابات ومجرمي الحرب الصهاينة ورموز الخذلان من العربان والغربان. ولا شك بأن نهاياتهم ستكون أليمة بإذن الله، من بعد أن تدور الدوائر عليهم عاجلاً أم آجلا، وما ذلك على الله بعزيز (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).