14 سبتمبر 2025
تسجيلمقطع فيديو تم تداوله عبر وسائل الاتصال يكرس فينا الصدمة والخيبة معاً ونحن نرى فيه مآقِيَ شاب حديث السن من جلدتنا تبحث نظرته المحتارة عن النجاة. وكيف له ذلك وهو من هرول هرباً صوب المجهول. كان الجندي العراقي يستنطق هذا الغِر عن موطنه وعمره وهو رهن الاعتقال في العراق حيث تسلل استجابة لدعوات الفتنة دون وعي أو هدى. فالمعتقل الذي ظهرت صوره في الفيديو عمره 18 سنة وانضم لداعش عبر وسائل الاتصال سوى أن مصيره لن يكون على ما يرام له ولا لمن غرروا به للذهاب إلى هناك وهم صناع المعضلة وباعة الوهم الذين لم تفلح كل الدراسات والبحوث في فك شفرتهم والحد من تماديهم في استقطاب الشباب والزج بهم في العمليات بصيغة لعبة الورق حيث لكل ورقة دور وقيمة في اللعبة تحقيقاً لأهداف وأيديولوجيات يتداخل فيها الفكر بالسياسة. كان مقطع الشاب المعتقل يُعرَض وينتشر ونحن بعد لم تبرد لوعتنا من هول الصدمة بضلوع الشاب مروان الظفر في أحداث الدالوة في الأحساء وهو العائد من معتقلات العراق بعد مشاركته فيما يسمونه جهاداً هناك فقد صدقناه عبر برنامج الثامنة وهو يضحك علينا ويسترسل في نعت وسائل التعذيب ويبدي البراءة سوى أن في الأكمة ما فيها ومسلسل الابتعاث مستمر إلى العراق وغيرها من مواطن الأحداث لترتد الرصاصة إلى صدورنا وتوغل في فجيعتنا في أبنائنا؛ فما الذي يملكه داعش من القدرة على التحشيد ورص الصفوف بهذه الكثافة من كل حدب وصوب فلا تقولوا إنها الإيمانيات والكرامات فقد أوضحت الجهات الشرعية المعتبرة حقيقة هذه الكتل وأهدافها المستبيحة للدين كما إن ما قيل إبان الحرب الأفغانية في الثمانينات من كرامات وقصص لا تصدق لمجرد التسويق للجهاد ، هناك كما أسموه في كتاب "آيات الرحمن في جهاد الأفغان" لـ عبدالله عزام فصوروا لنا كيف تخترق كراماتهم العادة ونواميس الطبيعة ، فكان الجهادي يبث قبضة الرمل من يده على الدبابة الروسية فتحترق ، وكانت الرصاصات تصوب نحو صدر الجهادي فتسقط كحبات التمر برداً وسلاماً في جيبه ؛ فذهب كل ذلك سدى في عودة الفرق هناك لقتال بعضها البعض بحثاً عن السلطة وحطام الدنيا أو تنفيذاً لأجندات الغير؛ وها هي الحالة تتكرر ليوغل هؤلاء المُغرر بهم في دمغنا جميعاً بوصمة لا نحبها ولا توافق ديننا ولا خلقنا، بل أصبح ذاتنا وأمننا هدفاً رئيساً لهم؛ فهم يسجلون مغالطات تاريخية كبرى ويسيئون للدين أيما إساءة؛ فما تحولت المنطقة إلى الرعب والصراعات إلا من بعد حادثة 11 سبتمبر والتي كانت فكرتهم وامتداداً لغطرستهم ليصبح العالم الإسلامي وقوداً لمعركة استهدفت تصفية المسلمين ببعضهم البعض . أعود إلى ذلك الشاب المحاط بثلة العسكر في العراق بعد اعتقاله ونضع الصورة تحت المجهر ونكرر دون ملل : مَن حمل هذا الغِر إلى مجاهل القتال والسلاح؛ ربما تتعدد الأجوبة وتتكرر ونقول إهمال الأسرة أو غفلتها أو اقتناص الرفاق أو الخطاب الديني أو الفراغ أو القهر الاجتماعي أو هو الحدة في قبول الآخر وبالطبع هي جملة مسببات لا يمكن تشخيصها بدقة سوى أن الأبرز هو تفوق لغة خطاب التطرف وتنوعه للاستدراج من كل العالم ببضع أجهزة محدودة بينما نحن بكل إعلامياتنا ووزاراتنا الثقافية وقنواتنا عاجزون حتى عن مجرد قطع حبل الوصل بين شبابنا والتطرف. لذلك فلنستمر في إعادة الحسابات دائماً؛ فعيون الغِر المعتقل تشي بالمخيف.