12 سبتمبر 2025

تسجيل

متاعب العلاقات العامة في الوطن العربي

14 ديسمبر 2013

تعتبر العلاقات العامة كعلم وفن وممارسة كما نعرفها اليوم منتج من منتجات القرن العشرين، تطورت ونمت وانتشرت بتطور الوسط الاقتصادي والإداري والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعمل فيه. كانت بدايتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية على يد صحفيين مخضرمين اقتنعوا بأن الكثير من المشاكل التي تحدث ما بين المنظمات وجماهيرها تعود أسبابها إلى انعدام أو ضعف الاتصال بشتى أنواعه وأشكاله بين مختلف الأطراف. والالتباس الذي اقترن بالعلاقات العامة كان يتمثل دائما في مفهومها والنظرة إليها وكذلك تطورها عبر الدول والمجتمعات. فإذا كانت العلاقات العامة قد تطورت وانتشرت في المجتمع الأمريكي اعتبارا من الثلث الثاني من القرن العشرين فنجدها في معظم باقي دول العالم ما زالت في مراحلها الأولى وما زالت النظرة إليها كوظيفة وكعلم وكفن يشوبها الكثير من سوء الفهم والالتباس وفي الكثير من الأحيان التبسيط والتهميش. الكلام عن صناعة العلاقات العامة في الشرق الأوسط يقودنا لمراجعة أربعة عقود من الممارسة في الميدان ومن التعليم والتدريس الأكاديمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. العلاقات العامة كمهنة فرضت نفسها في جميع مجالات الحياة. فنجدها في السياسة والاقتصاد والسياحة والطب والرياضة والتعليم...الخ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمارس هذه المهنة بمهنية وحرفية وبجودة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها أم أن هناك نقائص وتجاوزات واختراقات لأسس ومبادئ هذه المهنة. فالاحترافية والمهنية والتميز لها شروط ومقومات ومستلزمات رئيسة لا بد من وجودها وتوفرها كالتأهيل الأكاديمي والعلمي، والاعتراف بالمهنة وباستقلاليتها، ومواثيق أخلاقية، والمسؤولية الاجتماعية والنزاهة والالتزام. كما يتطلب التميز في العلاقات العامة الاعتراف بها من قبل الإدارة العليا، الاتصال المتكافئ في اتجاهين، درجة عالية من الرضا الوظيفي، قدرة عالية من الإدارة والتسيير والأخلاق والالتزام. أصبحت العلاقات العامة تلعب دورا استراتيجيا في حياة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها سواء كانت حكومية أو خاصة، ربحية أو خدمية وسواء كانت تنشط في المجال الرياضي أو الثقافي أو الصناعي أو التجاري. وتكمن هذه الأهمية بالدرجة الأولى في مكانة الفرد عند المنظمة وفي المجتمع. فالفرد أصبح من حقه ومن واجبه أن يعرف ما يجري من حوله وما يجري داخل المنظمات والمؤسسات التي يتعامل معها. إضافة إلى ذلك أصبح الرأي العام يلعب دورا محوريا في المجتمع وهذا يعني ضرورة توفير المعلومة والاعتماد على هذه المعلومة في صناعة القرار. ومن أهم المشاكل التي تعاني منها العلاقات العامة في الوطن العربي ما يلي: * انعدام التخطيط الاستراتيجي: فالتخطيط الاستراتيجي له شروطه ومبادئه وأسسه فهو يحتاج إلى كادر مؤهل وإلى إمكانات مادية معتبرة وإلى ثقافة تؤمن بالحاجة إلى المعلومات والإحصاءات والبيانات لصناعة القرار. كذلك التخطيط في العلاقات العامة بحاجة إلى منظمة تؤمن بالتخطيط وتؤمن بالشفافية وباحترام الفرد واحترام رأيه وفكره وحريته. وإذا غابت هذه المستلزمات والمعطيات فلا نستطيع أن نتكلم عن تخطيط استراتيجي لجهاز العلاقات العامة. * انعدام البحوث والدراسات: البحوث والدراسات تحتاج إلى الإيمان الراسخ بالمعلومة وبالإحصائية كما تؤمن بالصناعة السليمة والعلمية والرشيدة للقرار داخل المنظمة. والعلاقات العامة من دون دراسات وبحوث لا معنى لها بلغة الاستراتيجية والتخطيط ودعم صناعة القرار. فالعلاقات العامة تبدأ بوظيفة البحث وتنتهي بالبحث. * انعدام استراتيجية للتعامل مع الأزمات والطوارئ: التعامل مع الأزمات والطوارئ بحاجة إلى دراسات وأبحاث وتخطيط استراتيجي وإذا غابت هذه الأمور غابت استراتيجية التعامل مع الأزمات. * انعدام ميزانية كافية ومعتبرة للقيام بالمهام المنوطة بالعلاقات العامة: في ظل ضعف الميزانية وضعف الكادر البشري لا يستطيع جهاز العلاقات العامة أن يؤدي مهامه على أحسن وجه ويكتفي في غالب الأحيان بالوظائف الفنية والروتينية والتنفيذية البسيطة على حساب الوظائف الجوهرية والاستراتيجية. * انعدام استراتيجية اتصال متوازن ومتكافئ في اتجاهين وسيطرة التوجه الأبوي السلطوي الأحادي الاتجاه في عمليات الإعلام والاتصال بين المنظمة وجماهيرها: هذه نتيجة حتمية للفهم الخاطئ العلاقات العامة التي تُستعمل في هذه الحالة كبوق للمؤسسة على حساب مهامها الاستراتيجية. من جهة أخرى إذا كان المناخ الديمقراطي غير متوفر وحرية الفكر والرأي غائبة داخل المنظمة فهذا يؤدي إلى اتصال في اتجاه واحد وإلى علاقة سلطوية أبوية بين المنظمة وجماهيرها. * البعد عن دائرة صناعة القرار: إن بعد جهاز العلاقات العامة عن دائرة صناعة القرار يؤدي إلى تهميشها وتجريدها من مهامها الاستراتيجية داخل المنظمة والتي تتمثل أساسا في البحث وفي التخطيط الاستراتيجي، والعلاقات العامة من دون بحث علمي لا تستطيع أن تكون فعالة وصاحبة نفوذ داخل المنظمة. من جهة أخرى يعتبر قرب جهاز العلاقات العامة من دائرة صناعة القرار تواصل صحي وإيجابي بين الإدارة العليا والعلاقات العامة ومعرفة ماذا تستطيع هذه الإدارة أو الجهاز أن يقدمه إلى المنظمة ككل سواء على المستوى الداخلي (الاتصال التنظيمي-المؤسساتي- الداخلي) وعلى المستوى الخارجي فيما يتعلق بتسويق المنظمة للجمهور وتسويق الجمهور للمنظمة. فمكانة العلاقات العامة في المجتمع مرتبطة بمكانة ودور الرأي العام في الحياة العامة. من جهة أخرى يجب الاقتناع أن العلاقات العامة هي ثقافة وهي ممارسة للديمقراطية قبل أن تكون مهنة إدارية اتصالية.فالعلاقات العامة تبدأ بالرأي العام وتنتهي بالرأي العام وإذا كان المجتمع لا يحترم الرأي العام فالعلاقات العامة في هذه الحالة لا تستطيع أن تقوم بإنجاز الكثير من مهامها الاستراتيجية داخل المنظمة. فالعلاقات العامة تعني الممارسة الديمقراطية للاتصال بمختلف أنواعه وأشكاله داخل المنظمة وخارجها وهذا يعني حرية الفكر والرأي والتعبير وكذلك احترام الرأي الآخر والأخذ به إذا كان رشيدا وصائبا. * أهمية العلاقات العامة مرتبطة بقيمة الفرد ومكانته في المجتمع: من جهة أخرى تقوم العلاقات العامة أساسا على الفرد وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نبني علاقات صحية وقوية وناجحة بين المنظمة وجماهيرها إذا لم نحترم الفرد. فالفرد هنا هو رأسمال المنظمة واحترامه يعني ممارسة درجة عالية من الديمقراطية ومن الحرية المسؤولة عند تعامل المنظمة معه. والعلاقات العامة ما هي إلا تجسيد لاحترام الفرد واحترام حريته ورأيه ووجهة نظره. تواجه العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا نظرا للتطور الكبير الذي تشهده المنطقة في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي. فالربيع العربي يعتبر ثورة في مجال التواصل الاجتماعي والعلاقات بين المكونات المختلفة للمجتمع التي استفادت من التطور الهائل في مجال تكنولوجية الاتصال. هذه المعطيات كلها تتطلب وجود إدارات علاقات عامة قوية وفعالة سواء في القطاع العام أو الخاص لأن المنظمة الحديثة بحاجة إلى مستوى عال من الاتصال والتعامل مع جماهيرها المختلفة. فالعولمة الاقتصادية تتطلب درجة عالية من الاتصال والمعلومات والتعامل مع الجماهير. إن تصاعد وتنامي أهمية الرأي العام في المجتمع وكذلك انتشار الديمقراطية ونضج المجتمع المدني وانتشار تكنولوجية الاتصال والمعلومات كلها عوامل تفرض حاجة المنظمة المتنامية للعلاقات العامة وكذلك الحاجة إلى الاهتمام بالجمهور وبالرأي العام وهذا ما يؤدي إلى نمو وتطور العلاقات العامة وانتشارها والحاجة الماسة إليها في مختلف أنواع المنظمات (حكومية، خاصة، تجارية، سياسية، خدمية...الخ. من جهة أخرى نلاحظ توجه المنظمة الحديثة إلى الإدارة بالأهداف التي تؤمن بالدراسة والتخطيط الاستراتيجي وبالبيانات والمعطيات العلمية لصناعة القرار حيث ضرورة التوجه نحو الإبداع والابتكار والاحترافية والتميز في التعامل مع المشاكل التنظيمية والإدارية وقضايا الجماهير المختلفة؛ فالقرن الذي نعيش فيه يفرض عولمة العلاقات العامة التي تقوم أساسا على الاحترافية والقيادة والتميز والأخلاق.