31 أكتوبر 2025
تسجيلتعود التفجيرات إلى بيروت من جديد بعد انقطاع نسبي واستتباب للحدّ الأدنى من الأمن على مدار سنة ويزيد، كان لبنان قد حيّد نفسه عن تداعيات الأزمة السورية، أي حال دون استقرارها أو اعتمالها داخله بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ من طبيعة المشهد اللبناني المعقد أصلا، لكن ما حصل ليل الخميس من عملية انتحارية مزدوجة وفشل انتحاري ثالث في تفجير نفسه في ضاحية بيروت الجنوبية وحجم الضحايا الذي سقط، أماط اللثام عن حقيقة الوضع الهش أمنياً، وأن لبنان لم يستقر تماما كما كان يأمل ويظن الجميع. والمقلق أكثر مما سبق هو أن التفجير المزدوج، وما صاحبه من عمليات أمنية استباقية للأجهزة الأمنية تعطي صدقيّة للتهديدات التي أطلقها تنظيم داعش قبل عدة أسابيع، وما سُرّب من وثائق لقوائم اغتيال يعدّها التنظيم على التراب اللبناني لعلماء سنة سلفيين وقفوا حاجزاً أمام تحصّل التنظيم على بيئة حاضنة له في الشمال اللبناني وبعض المخيمّات الفلسطينية حين وصفوه بالتنظيم الخارجي عن أهل السنة والجماعة والمعادي لتطلعات الشعب السوري. تنظيم داعش الذي تبنى العملية الانتحارية المزدوجة في بيروت، كان أطلق تهديدات قبل أسبوعين ضد الضاحية الجنوبية، كاشفاً عن إعداده خلايا جهادية لاستهداف منطقة حزب الله، لا يمكن الجزم أن الأزمة السياسية اللبنانية لعبت دوراً في هذا الخرق الأمني، حيث تمكنت القوى السياسية رغم احترابها السياسي بتحييد البلاد أمنيا. والتنسيق بين الأجهزة الأمنية فيما بينها، وبينها وبين حزب الله هو في أعلى مستوياته لضبط الأمن، وقد نجح التنسيق في إحباط العشرات من العمليات التي كانت معدّة، كما أن تزامن التفجير مع التئام البرلمان لأول مرة منذ سنة تقريبا، وما تبعه من اجتماع للحكومة اللبنانية وتوقيعها على عدة قوانين ليس أكثر من مجرد صدفة ولا يمكن الجزم بارتباط الحدثين، فلقاء الحكومة فتح كوّة في جدار الأزمة السياسية لاسيَّما بعد أن سبقه تصريحات سياسية عاصفة. الصحيح أن لبنان رغم أزمته السياسية الداخلية وارتباطها بالواقع الإقليمي إلا أنه نجح في فصل المسار السياسي عن الأمني، لكنه يبقى جزءاً من مسرح العمليات الممتد إلى سوريا والعراق، وكلما شهدنا تقدمات أو تراجعات ميدانية في سوريا لهذه الجهة أو ذاك، نتلمّس ارتدادات لهذا التحول في مناطق أخرى ومنها لبنان. ما جرى يوم الخميس أفسد حياة اللبنانيين عامة وأهل بيروت خاصة أنه قد يستمر لأسابيع قادمة، والخشية تبقى أن لبنان بدأ يستولد جيلاً جديداً من الانتحاريين، ولم يعد بلد عبور، وإنما بلد منتج لظاهرة التفجيريين.