14 سبتمبر 2025

تسجيل

احتقان سياسي وجدال حول لقاء الرئيس

14 نوفمبر 2015

حراك سياسي كبير هذه الأيام في الجزائر حول رسالة قدمتها 19 شخصية وطنية، كان بعضها مقربا من الرئيس، تطالب بلقاء بوتفليقة وتشكك في القرارات الصادرة عنه. الرسالة نبعت من عدة مؤشرات تشير إلى الاحتقان السياسي في البلاد وانتشار الفساد بدرجة كبيرة وتسلل وهيمنة أباطرة المال على السياسة وغياب هيبة الدولة وسلطتها وضعف كبير للمعارضة وغياب سلطة الرئيس. فالرسالة جاءت لمساءلة وضع سياسي غير مطمئن وجاءت في ظروف اقتصادية صعبة تمر بها الجزائر بعد انخفاض أسعار النفط من جهة وتدهور قيمة الدينار الجزائري من جهة أخرى. فمطالبة مقابلة الرئيس من قبل شخصيات تحمل عدة دلالات سياسية وتعتبر مؤشرا على الاحتقان السياسي في البلد وعلى عدم وضوح الرؤية والإستراتيجية عند مؤسسة الرئاسة ومن هو الذي يحكم حقيقة ومن هو وراء القرارات التي تؤخذ؟. كما تدل مطالبة مقابلة الرجل الأول في البلاد على مدى خطورة انعدام التواصل بين الرئيس ومنتخبيه إلى درجة أن شخصيات سياسية أصبحت لا تثق في الخطاب السياسي للدولة ولا تؤمن بمصداقية الخطاب الرئاسي ولا تثق في رجال الرئيس. وهذه معضلة أن ينشأ نسق سياسي ووعي جديد لا يؤمن بذلك الذي يقرره النظام السياسي الحالي. هل مطلب مقابلة الرجل الأول في الدولة تسبب في ورطة لمحيط الرئيس، أم أن المجموعة ليس لها الثقل الكافي لإحراجهم؟ بدأ النظام الحاكم في مراوغة الطبقة السياسية ثم الالتفاف على حق المواطنين في التواصل مباشرة مع رئيسهم، وهذا أساس العقد الاجتماعي، ثم انتهي الأمر بالنظام السياسي أن يقنع نفسه بمراوغة سياسية خلقها من أجل تمرير عهدة رئاسية أصبحت تشكل اليوم عبئا سياسيا على بوتفليقة ومن معه ومأزقا لنظامه، حيث إنه عهدة تشير إلى انتكاسات وفشل ذريع على مختلف الأصعدة.المشكلة لا تكمن في قوة الشخصيات الموقعة من دونها، وإنما في مشروعية طلبها. ممارسات النظام السلطوي قزمت الأحزاب السياسية، ودعمها لنظام الزبونية Clentelism جعل من مسألة الوزن السياسي مسألة نسبية. لكن وجود شخصيات كانت قريبة من الرئيس وشخصيات تاريخية تبعدها عن زاوية الاتهام بالتآمر والثأر. أكثر من ذلك، هذا الطلب مؤشر قوي على رداءة الفضاء السياسي في الجزائر. لماذا لم تبادر الأحزاب السياسية بجميع أطيافها بطلب مقابلة رئيس الجمهورية حتى تنادي شخصيات مستقلة بضرورة لقاء الرئيس، أي أن الأحزاب تنازلت عن وظيفتها الأساسية، مما يعني أن الممارسة السياسية على مستوى الأحزاب في الجزائر تعاني من شلل وتعاني من وجود شكلي لا يؤهلها لأن تكون قوة فاعلة في النظام السياسي الجزائري لمراقبة التجاوزات والانحرافات وفي بعض الأحيان التناقضات التي تقضي على العقد الاجتماعي وأبجديات العمل الديمقراطي الذي يعود بالفائدة على البلاد والعباد. المقربون من مؤسسة الرئاسة يؤكدون أن الرئيس مطّلع على كل الأوضاع وأن البلاد تسير بشكل طبيعي رغم غيابه الدائم عن المشهد. التسيير الطبيعي للبلاد ليس دليلا مقنعا، عندما يعطي مقربو الرئيس بعدا دراميا ويضخمون طلبا عاديا للقاء الرئيس، فهم بذلك يكشفون عن ثغرات التبرير. بدل إحالة الطلب قانونيا لمدير مكتبه أو مستشاره للبت فيه والرد سلبا أو إيجابا، ذهبوا بعيدا في مسلسل التشكيك والتأكيد على اطلاع الرئيس على ملفات الدولة. إن طبيعة تعاطي الدولة مع تحديات اقتصادية وسياسية ودولية سبب وجيه يستدعي التساؤل عمن يحكم الجزائر اليوم وكيف؟ ما يجري في المنطقة وعلى حدود البلاد والتحديات التي تفرض نفسها على البلاد في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني بحاجة إلى دور فعال وعمل دءوب من قبل الرئاسة والخارجية وكل مؤسسات الدولة. عدم الاستجابة لطلب الشخصيات لقاء الرئيس هو بمثابة اعتراف سياسي بفراغ في السلطة واعتراف بأن هناك مجموعة تسيطر على السلطة في الظل. دستوريا هذا يعني أن الرئيس ضحية انقلاب صامت. ثم لماذا يحق لضيوف أجانب أن يلتقوا ببوتفليقة ويستمعوا لآرائه وأطروحاته وتحليلاته باهتمام ويُمنع هذا الطلب لشخصيات وطنية؟ ثم إن المسألة تتعدى ذلك. الإصلاحات الدستورية والسياسية التي وعد بها الرئيس لم تتجسد في أرض الواقع إلى حد الساعة، ويبدو أن الرئيس لم يكن منتصرا لهذا المشروع. وبالتالي أن يشارك في صنع القرار أو لا، لن يغير من الانسداد الكبير في الأفق المظلم الذي أصبح أمرا يلاحظه الجميع في أرض الواقع. كل المبادرات السياسية التي طرحتها المعارضة مازالت تراوح مكانها بسبب رفضها من الطرف الآخر، وبالمقابل تمضي السلطة في مشروع تعديل الدستور لكن دون نتيجة، كما يجب أن نتساءل هنا ما هو نوع التعديلات وما هو الغرض منها؟.