18 سبتمبر 2025

تسجيل

(حزب نداء تون) أمام التحديات الاقتصادية

14 نوفمبر 2014

لم تحتل المسألة الاقتصادية حيزاً كبيراً في برامج الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية سواء منها التشريعية التي انتهت بفوز «حزب نداء تونس» الذي يمتلك تصوراً ليبرالياً للاقتصاد، أم في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 23نوفمبر الجاري. والسبب في ذلك، أنه خلال حكم الترويكا السابقة، هيمن على المشهد السياسي التونسي موضوع الإرهاب وتداعياته الأمنية والسياسية والمجتمعية، على استقرار البلاد، وعلى تغيير النموذج المجتمعي التونسي المنفتح على الحداثة الغربية، والليبرالي، الأمر الذي جعل الشعب التونسي برمته يشعر بغياب وفقدان هيبة الدولة التونسية، ويطمح قبل كل شيء إلى تحقيق الاستقرار، والمحافظة على النموذج المجتمعي التونسي المعتدل والوسطي.فيما يتعلق بالنموذج الاقتصادي التونسي الذي خضع لبرنامج الإصلاح الهيكلي وفقا لوصفات صندوق النقد الدولي في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين، وسار في طريق «توافق واشنطن» في أواسط التسعينيات، بوصفه مذهباً اقتصادياً ليبرالياً يقوم على فلسفة التقشف، والتخصيص، والتحرير، والانضباط في الموازنة، والإصلاح الضريبي، وتخفيض النفقات الحكومية العامة، وتحرير المبادلات التجارية والأسواق المالية، فقد قاد هذا النموذج الاقتصادي إلى حدوث كارثة بالبلاد.لقد أدّى النموذج الاقتصادي التونسي إلى سيادة أنماط بائسة من التشغيل، لاسيَّما نمط التشغيل بالعقود ذات المدد المحدودة، حيث تؤكد التقارير التونسية أن ما يفوق 50 بالمائة من العاملين في قطاع السياحة يخضعون لهذا النمط الرديء من التشغيل، والشيء عينه تقريبا في مجال الخياطة، إذ تكون الأجور متدنية جداً، إضافة إلى غياب الضمانات الاجتماعية.بشهادة كبار الخبراء في الاقتصاد سواء من الدول العربية أو من الدول الغربية، يعتبر النموذج الاقتصادي التونسي هجيناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى دقيق، فهو ليس نموذجاً رأسمالياً خالصاً على الطريقة الغربية خاضعاً لقانون السوق، بل هو نموذج خاضع لقانون المافيا الاقتصادية المهيمنة على الاقتصاد التونسي في عهد سيطرة عائلة الرئيس المخلوع ابن علي وزوجته من آل الطرابلسي، حيث طبقت هذه المافيا الاقتصادية قانونها الخاص بدلاً من قانون، لتتحول تونس طيلة العقدين الماضيين إلى ما أشبه بالعيش في العصور الإقطاعية، لا في عصر العولمة الليبرالية كما يدعي النظام السابق.ومع ذلك، هل يمتلك حزب نداء تونس، الذي سيقود الحكومة المقبلة البرنامج الواقعي لقلب الأوضاع الاقتصادية رأساً على عقب في فترة برلمانية أو رئاسية واحدة، يفترض أن تشهد إنجاز الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتغيير نموذج التنمية لما يعنيه ذلك من تغييرات موجعة وعميقة، لا يكتب لها النجاح إلا إذا صدرت عن وفاق وطني شامل؟في هذا المجال أكد رئيس اللجنة الوطنية الاقتصادية والاجتماعية « لحزب نداء تونس»، سليم شاكر، أن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب «يتميز بخلق منوال تنموي جديد يقوم أساسا على التكنولوجيا والقيمة المضافة في المنتوجات التونسية والخدمات» على حد تعبيره. وقال إن نجاح هذا المنوال التنموي الجديد، يتطلب إرجاع الأمن والطمأنينة للشعب التونسي، وتفعيل اللامركزية في القرار، وتعصير البنية التحتية، والاستثمار في الموارد البشرية، وإحداث بنك لتنمية الجهات. وأضاف أن البرنامج الاجتماعي للحركة يعمل على تفعيل العقد الاجتماعي، والرفع من المقدرة الشرائية للمواطن، وفرض التغطية الصحية للجميع، مع تأهيل قطاع الصحة العمومية، وبعث منظومة للتأمين ضد فقدان الشغل، فضلا عن الاهتمام بذوي الاحتياجات الخصوصية، ومقاومة التمييز ضد المرأة، ودعم البحث العلمي. «حزب نداء تونس» لا يشذ عن قاعدة الأحزاب الليبرالية الحاكمة في العالم الثالث، فهو يريد المحافظة على نموذج التنمية الذي كان سائداً في تونس بهيكلته القديمة، رغم انتهاء صلاحية هذا الأنموذج التنموي السائد طيلة الحقبة التاريخية السابقة، وهو غير قادر أن يعطي أجوبة عقلانية وواقعية للتحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي، في مجال المنافسة الدولية الشرسة، وتحقيق اختراق في مجال الاستثمار واكتساح الأسواق بما يمكنه من استحقاق نسق النمو ورفع حجم الصادرات وخلق مواطن شغل ودعم مدخراته من العملة الصعبة.يرث حزب نداء تونس تركة ثقيلة وأخطاء جسيمة ارتكبتها حكومات الترويكا المتعاقبة منذ نهاية عام 2011 ولغاية 2014، لكي تتجلى أمامنا صورة قاتمة عن الإفلاس الحقيقي لهذا النموذج الاقتصادي التونسي الذي تمسكت به حكومات الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، حيث إن تونس أصبحت في الوقت الراهن باركة اقتصادياً بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى دقيق. ويتمثل هذا الإفلاس في الحقائق التالية:الحقيقة الأولى: على مستوى النمو يمكن أن يبلغ نسبة 2.3% في منتصف السنة الحالية حسب تقرير البنك العالمي الصادر في 25مايو 2014، تحت عنوان «الثورة غير المكتملة». الحقيقة الثانية: على صعيد العملة الوطنية، فقد تراجع الدينار في غضون سنتين بنحو 17%، مقابل اليورو.الحقيقة الثالثة: في عهد الترويكا السابقة، تطور ما يسمى الاقتصاد الموازي، وفاقت معاملاته 53.5% من إجمالي التداولات التجارية. وتقف وراء الاقتصاد الموازي العصابات المنظمة المحمية من قبل جهات سياسية نافذة، فأدّى هذا الوضع إلى تضخم هذا الاقتصاد الموازي الذي أصبح يستقطب في عهد الترويكا 42.% من اليد العاملة. الحقيقة الرابعة: في عهد حكم الترويكا، أغلقت 3742 مؤسسة أبوابها وغادر أكثر من 1200 مستثمر تونسي وأجنبي البلاد في ظل وجود عدم الاستقرار.الحقيقة الخامسة: ارتفاع نسبة البطالة من 15% في سنة 2010 إلى 23% في سنة 2013، فبلغ عدد العاطلين عن العمل مليون شخص. الحقيقة السادسة: تجاوز الدين الخارجي حوالي 17 مليار دولار، ليصل مؤشر الدين الخارجي حاليا إلى نحو 52.3% من الناتج المحلي الخام.الحقيقة السابعة: تجاوز الثروة المنهوبة في تونس من قبل الرئيس المخلوع وزوجته، وأقربائهما البالغ عددهم 110 أشخاص، نحو 10 مليارات دولار، حسب التقرير الذي أصدرته لجنة مكافحة الفساد. ورغم أن الثورة التونسية شكلت منارة حقيقية «لربيع الثورات الديمقراطية» التي شهدها العالم العربي، فإنها لم تقم بتغيير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وإطلاق نموذج جديد من التنمية يقطع مع نهج التبعية، ويكَّسِرُ الأنماط الاقتصادية السائدة،لاسيَّما تلك القائمة على أساس التحرير الاقتصادي، والخصخصة الرأسمالية، والاندماج في نظام العولمة الليبرالية الجديدة، الذي خدم بدرجة رئيسية الفئات الرأسمالية الطفيلية غير المنتجة باعتبارها فئات تمثل تحالفاً مشبوهاً بين ما يسمى «رجال الأعمال» والعائلات المافياوية الحاكمة، والبرجوازية البيروقراطية العسكرية والأمنية التي كونت ثروتها من خلال هيمنتها المطلقة على أجهزة الدولة، والذي قاد إلى الثورة. وفي ظل غياب الثورة الاقتصادية يبدو حل المعضلة الاقتصادية في تونس بعيد المنال في المنظور الراهن، لاسيَّما في ظل غياب الاستثمارات العربية والأجنبية التي يمكن أن تحرك العجلة الاقتصادية.