13 سبتمبر 2025
تسجيلالسياسة هي فن الممكن، والخساسة فن المجرم، السياسة كما يسميها أبو حنيفة هي أحسن ما قدرنا عليه، والخساسة هي "هبش " كل ما قدروا عليه، السياسة الشرعية تعني عند الماوردي الشافعي والفراء الحنبلي: "القيام بواجب الخلافة عن النبوة في حفظ الدين وسياسة الدنيا"، والخساسة هي خلافة عن شياطين الإنس أو الجن أو كلاهما في هدم الدين وتخريب الدنيا، السياسة الشرعية عند الجويني إمام الحرمين هي: "حفظ ما حصل، وتحصيل ما لم يحصل"، يعني الحفاظ على المكتسبات وتشجيع الإبداع والابتكارات؛ لتظل أمة الإسلام في تطور مستمر، أما الخساسة فهي ضياع المكتسبات ووأد الابتكارات لتعيش أمتنا في تأخر مستمر، السياسة هي أن ينوب الحاكم عن الأمة، حتى ناداه بعض علمائنا: السلام عليك أيها الأجير، ولم يمتعض الأمير حيث يقوم بخدمة أُمته و"خادم القوم سيدهم"، أما الخساسة فتجعل من الحاكم وكيلا عن أعداء الأمة في النقير والقطمير، ويعامل الأمة كأنهم خدم عنده، السياسة أن تراعي الأصول العقدية والأخلاقية والتشريعية والأعراف الاجتماعية، والخساسة هي إهمال كل الثوابت الدينية، والجري وراء الفلسفات العالمية والانحرافات الخارجية وجلبها إلى المجتمع بعد ليِّ عنقه كي يقبل بالطبخة الأجنبية، السياسة هي استيعاب كل الطاقات الوطنية وتوظيفها في أحسن المواقع القيادية، والخساسة هي اعتقال و"تطفيش" الطاقات الوطنية، وزجِّها في السجون والمعتقلات أو طردها إلى الدول الخارجية كي تريِّح البلاد والعباد من مشاريعهم القوية، السياسة تعتمد الوضوح مع الشعوب والمجتمعات، والصراحة في المُلمات، والخساسة التواء وكذب وخداع للشعوب، واللعب بالعواطف والأرقام، حتى تفيق الشعوب على خراب مالطة، ويبقى أقطاب الخساسة يكذبون ويدلسون، السياسة أن يُكرم أهل العلم والفضل والخبرة والحنكة، والخساسة أن يهان ذوو العلم والفضل والخبرة، السياسة أن تصان النساء عن الامتهان، وتتفرغ لتربية الرجال، وتساهم في بناء مجتمعها دون سفور وابتذال، والسياسة العربية حتى لو طغت تبقى محافظة على حرمة البيوت، حتى إن أبا جهل يستغرب طلب أحد "فتواته" ليلة الهجرة: لِم ننتظر محمدا حتى يخرج من بيته فتقتله؟، فلندخل عليه بيته، فغضب أبو جهل وقال: أتحبون أن تتحدث العرب أننا فزَّعنا بنات محمد؟!، أما الخساسة فقد أنتجت قوما يقتحمون البيوت على النساء والفتيات والأطفال ويعتقلون الحرائر والقاصرات، بل يهتكون الأعراض للضغط على الدعاة الأحرار. السياسة هي قيادة راشدة لشعوب واعية، والخساسة هي قيادة طائشة لشعوب مستعبدة، السياسة هي احترام لآدمية الإنسان وتقدير لحق الحياة ولو كانت لحيوان "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لِمَ لم تسوِ لها الطريق يا عمر؟"، والخساسة يرى الحاكم أنه يملك رقاب الناس، كما قال النمرود: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) (البقرة: 258)، أو كما قال الفرعون: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (الأعراف: 127)، ويجلدون ظهور الناس، كما قال عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!". السياسة أن يُحترم حق الناس في التفكير والإبداع والتصحيح والنقد والتقويم، والخساسة فلسفة فرعونية قوامها: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29)، فليس من حق أحد أن يفكر أو يبتكر، السياسة صداقة وشراكة بين الحكام والمحكومين.