29 أكتوبر 2025

تسجيل

تحالف عربي ـ تركي ـ إخواني لصد خطر داعش وإيران

14 أكتوبر 2014

ثمة خطران يتغولان على الأرض والشعوب العربية في الوقت الراهن (أضيفا إلى تغول الخطر الإسرائيلي الجاثم في أرض فلسطين والجولان ودائم التهديد). هذان الخطران هما داعش ونفوذها التوسعي. وإيران ونفوذها التوسعي. هناك تشابه مذهل في المشروعين والخطرين: انطلاقهما من ايديولوجيا تصديرية "للثورة". والهوس بالتاريخ وإعادة إنتاجه. وعدم اعترافهما بالحدود الوطنية. ووجود جيوب وشرائح مؤيدة لها في البلدان العربية. الحرب على داعش وبحسب تقديرات "الأصدقاء الأمريكان" قد تأخذ ثلاثين سنة. والله أعلم بعدها ماذا ستكون النتيجة هزيمة أو نصر داعش! هناك غموض والغاز كثيرة مثيرة للريبة في هذه الحرب المُعلنة إعلامياً وغير القائمة على أرض الواقع بشكل حقيقي. ليس هناك أي جدية حقيقية في هذه الحرب عندما نقارنها ب "الصرامة" و"الجدية" التي أطلقت فيها الحروب الأميركية ضد العراق في حربي 1991 و2003. كل الأسئلة التي تحوم حول السؤال المركزي "ما الذي يحدث حقاً" هي شرعية ومبررة. لكن بعيدا عن الأجوبة فإن الاستجابة العربية يجب أن تنطلق مما هو قائم على أرض الواقع وعلى أساسه تقدر موقفها السياسي والاستراتيجي والمستقبلي. الواقع يقول إن الصراع الراهن وفي التجسيد الأكثر تركيزا منه هو بين داعش من جهة وإيران من جهة ثانية. ظافرية أي من الإثنين و"انتصاره" على الآخر لا يصب بالضرورة لصالح العرب. بل إن الأمر أسوأ من ذلك: أيا ما كانت نتيجة هذه الحرب. هزيمة داعش. أو هزيمة إيران. فإن العرب خاسرون. إنها معادلة مخيفة حقا وبشعة ولا بد من مواجهتها. هزيمة داعش تعني تمهيد الأرض وتسويتها لترسخ النفوذ الإيراني في سوريا والعراق. ما لم تحدث شبه معجزة ويتم إسقاط النظام في دمشق. وهذا لم يعد على رأس الأجندة الغربية والأمريكية. وهزيمة إيران وبقاء داعش مسيطرة في سوريا والعراق معناه تفاقم إخطار لا حصر لها على كل البلدان العربية المجاورة: دول الخليج. الأردن. مصر. وحتى تركيا. وهذه الأخيرة. تركيا. تقف مع العرب في نفس المربع المُختنق بنتيجة الصراع: أي أنها تخسر في الحالين كما العرب. كيف يمكن كسر هذه المعادلة اللئيمة التي وجد العرب (وتركيا) أنفسهم فيها؟من الصعب تقديم حل سحري. لكن من الممكن مقاربة طرح غير تقليدي يكسر طرائق التفكير والسياسات القائمة في العواصم العربية. خاصة الخليجية. وأنقرة. ويفتح أمامها خيارات جديدة. يقوم هذا الطرح على إقامة تحالف عربي ـ تركي فوري. قد يكون نواة نظام امن إقليمي مستقبلي. وتكون فكرته الأساسية وقف تمدد المشروعين الآخرين: الداعشي والإيراني. طبعا هناك تخوفات كثيرة وفي عواصم عربية وخليجية عديدة من الدور التركي نفسه. وبعضها محق. لكن في التحليل النهائي وفي مقارنة المخاطر هناك فرق كبير في ما تمثله المخاطر والتهديدات المفترضة القادمة من تركيا وتلك الأخطار والتهديدات الحقيقية والفعلية القادمة من داعش وإيران. فضلا عن ذلك فإن أي تقارب وتحالف يجب أن يقوم على فتح كافة الملفات وتطهير الشبهات والتخوفات. والاتفاق على مواجهة المخاطر المشتركة. وفي المقارنة بين "المخاطر التركية" وتلك الإيرانية والداعشية يصعب القول إن هناك "مشروع تركي توسعي" يشتغل على الأرض يمكن مقارنته بالمشروع الإيراني التوسعي الذي يتباهى اليوم بالسيطرة على أربع عواصم عربية. أو بالمشروع الداعشي الذي يريد أن تتوسع خلافته لتقضم وتلتهم ما تستطيع التهامه من بلدان عربية. صحيح أن تركيا الاردوغانية حليفة قوية لـ "الإخوان المسلمين" في المنطقة العربية وأنها تتضامن معهم وتدعمهم في هذه الدولة أو تلك. لكن هذا لا يرتقي إلى مستوى "المشروع" ويبقى في حدود "التدخل في الشؤون الداخلية" التي يمكن معالجتها ولجمها. لكن معالجة مسألة "الإخوان المسلمين" وتنظيماتهم في المنطقة تقع أيضاً في قلب أي تفكير خلاق غير تقليدي. وسوف تتعرض لها هذه السطور بعد حين.على مستوى الصورة الإقليمية العامة ثمة فراغ قيادي بالغ الخطورة وهو الفراغ الذي تقفز فيه القوى الإقليمية المتحفزة: إسرائيل. إيران. وتركيا. الحل الاستراتيجي بعيد المدى الذي يضبط نوازع وأطماع القوى الإقليمية هو قيام نظام امن إقليمي يرسم الخطوط الحمراء أمام كل الأطراف. وفي الوقت نفسه يطمئنها إزاء بعضها البعض. ويرتب الأولويات الأمنية لكل منها. لكن ذلك ما زال بعيدا عن التحقق في الوقت الراهن. وإلى أن يتم ذلك أو غيره من مأسسة للأمن الإقليمي ليس أمام العرب إلا مواجهة المخاطر والمصائر التي تنتظرهم. ويجب البدء بدول مجلس التعاون الخليجي. فدول الخليج ومن خلال مجلس التعاون بقيت هي المنظومة الإقليمية الوحيدة شبه المتماسكة في النظام العربي. ويجب منع تفككها. وإيلاء الحفاظ على مجلس التعاون أولوية قصوى. برغم عيوبه الكثيرة وعدم تحقيقه لآمال الكثيرين. والمعنى العملي والمباشر لذلك هو إنهاء الخلاف الداخلي مع دولة قطر وعودة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة أولا. ثم تعميق التنسيق السياسي والاستراتيجي والمواقفي إزاء الخطر الإيراني ثانياً. فسقوط صنعاء في دائرة النفوذ الإيراني يجب أن يقض مضاجع صناع القرار في الخليج وتدفعهم لإعادة ترتيب أولوياتهم وإرجاء خلافاتهم الداخلية الثانوية. ينبني على ذلك. ثالثاً. إنهاء الخلاف والتوتر المصري ـ القطري لأن كتلة مصر والخليج هي الآن القاعدة الأهم التي يمكن الارتكاز عليها في مواجهة أية أطماع إقليمية. وهنا تبرز مسألة "الإخوان المسلمين" وحركات الإسلام السياسي غير العنفية. فإعادة ترتيب البيت الخليجي والعربي مرتبط ب"المعركة الإقليمية" التي انخرطت فيها دول عربية عدة ضد الإخوان المسلمين وتنظيمات الإسلام السياسي وهي معركة في غير مكانها. زمانا. ومكاناً. وأطرافاً. فهي تستنزف هذه البلدان وتهلك البنية الداخلية فيها في الوقت الذي من المفترض فيه أن تعمل على تقويتها لمقاومة ومجابهة الخطر الأهم والأكبر وهو النفوذ الداعشي والإيراني. ليس المقصود هنا الدفاع عن الإخوان المسلمين وسياساتهم وتنظيماتهم. وكاتب هذه السطور يؤمن بشكل عميق بأن أي خلط للدين مع السياسة يدمر الإثنين معا. لكن المقصود هنا هو تقدير أولوية المخاطر الحقيقية الإقليمية وأين يجب صرف وتكريس الجهد الفعلي. تشكيلات الإسلام السياسي المشاركة في السياق السياسي والديمقراطي في عدد من البلدان العربية قد تشكل تهديدا على بعض الأنظمة والحكومات. لكنها لا تشكل تهديدا وجوديا على البلدان نفسها. بينما المشروع الإيراني يشكل تهديدا عارما على الدول والحكومات والشعوب. فضلا عن ذلك فإن حركات الإسلام السياسي لا تهزمها إلا الشعوب وصناديق الانتخابات التي جاءت بها. وعلى قاعدة فشلها المتراكم في تقديم نموذج ناجح في السياسة والحكم كما تدل معظم أن لم نقل كل التجارب المشهودة حتى الآن (من السودان. إلى مصر. إلى غزة. إلى أفغانستان..... إلخ). أي أن الحكم الحقيقي يأتي من الشعب نفسه وكانت كل المؤشرات والاستبيانات تشير. مثلا. إلى عدم إمكانية فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية بعد سنة واحدة من حكم محمد مرسي. ولم يكن هناك حاجة لكل ما حدث في مصر. والتركيز على هذه النقطة هنا يأتي يأتي من كون مسألة العلاقة مع الإسلاميين وأحزابهم تشكل تحدياً كبيرا إزاء صوغ أية إستراتيجية عربية حقيقية وفعالة لوقف الخطر الإيراني والداعشي. ففي نهاية المطاف لا تقف تلك الأحزاب في معظمها. إن لم يكن كلها. في المربع الإيراني بل في الجانب الآخر. والحديث عن تحالف إيراني ـ إخواني لا علاقة له بالواقع بل هو جزء من الاتهامات والنكاية السياسية. على جانب الإسلاميين خاصة جماعة الإخوان المسلمين وحركاتها وتنظيماتها فإن هناك ضرورة ملحة وعاجلة للانخراط في مراجعات فكرية وسياسية عميقة. تقدم مصالح الأوطان على المصلحة الحزبية. وتقدم أولوية التوافق الوطني على الإنفراد بالرأي والحكم. وعلى رأس المراجعات المطلوبة مسألة البعد غير الوطني لهذه الأحزاب وعلاقاتها "ما فوق الدولتية". أي أن انتماءاتها للايديولوجيا وللجماعة الأم تتقدم على انتماءاتها لأوطانها بما يكرس مخاوف وشكوك الأطراف الوطنية بها. والحل الأمثل هنا هو إلغاء أي شكل من أشكال "التنظيم الدولي" بل وشطب وتغيير اسم "الإخوان المسلمين" لأنه صار مصدر استفزاز لقوى وطنية وحكومات. وعوضا عن ذلك إعادة تشكيل أحزاب وجمعيات وطنية بحتة تكون مرجعيتها وطنية وداخلية وليس خارجية.