10 سبتمبر 2025

تسجيل

مقومات ومستلزمات الإعلام الفعال

14 سبتمبر 2019

تثار من حين لآخر في الأوساط الإعلامية قضايا تتعلق بحبس الصحفيين وقوانين النشر والمطبوعات ومواثيق الشرف وأخلاقيات ممارسة المهنة، قضايا مهمة في العمل الإعلامي المسؤول والنزيه والمستقل والحر، فإذا بدأنا بإشكالية حبس الصحفي، فالقضية قديمة قدم الممارسة الإعلامية عبر التاريخ والعصور، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يجوز حبس الصحفي ومعاملته في قضايا النشر و الرأي كأي جانح آخر؟. فقضايا النشر والرأي تختلف في المحتوى والجوهر عن باقي الجنح والمخالفات. فلا يُعقل مثلا أن يُحاكم الصحفي بنفس منطق وفي نفس قاعة محاكمة القاتل أو المجرم أو اللص. جريمة النشر تختلف في طبيعتها ومضمونها ومحتواها عن باقي الجنح والمخالفات في المجتمع، من جهة أخرى نلاحظ أن طبيعة العمل الصحفي ومهنة الصحافة تختلف جذرياً عن باقي المهن والوظائف في المجتمع، فالمؤسسة الإعلامية في المجتمع هي مؤسسة اجتماعية تقوم بوظائف الإخبار والإبلاغ والإعلام والتربية والتوعية والتثقيف والترفيه والتسلية ونقل التراث والتاريخ والذاكرة الجماعية للمجتمع من جيل إلى آخر، عدم حبس الصحفي لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذا الأخير فوق القانون وهو محصن ويستطيع أن يفعل ما يشاء. لا، الصحفي مثله مثل أي فرد في المجتمع يخضع للقانون ويتماثل للوائح التنظيمية والتشريعية والقانونية التي تُقنن وتُنظم مهنة الصحافة، فالعمل الإعلامي يحكمه قانون النشر والمطبوعات وميثاق الشرف والضمير المهني للصحفي الذي يُعتبر مؤرخ المجتمع وشاهد عيان والعين الساهرة على ما يدور فيه من إيجابيات وسلبيات، ومن أحداث وقضايا من حق الجمهور التعرف عليها، بل أكثر من ذلك فإنه يقوم بمراقبة السلطة التنفيذية وغيرها من السلطات والمؤسسات في المجتمع إذا تجاوزت حدودها وخرجت عن المصلحة العامة وتحايلت على القانون. العمل الإعلامي بحاجة إلى قانون واضح المعالم يقنن مهنة الصحافة في علاقتها بالسلطة، ويحدد علاقة المؤسسة الإعلامية بمصادر الأخبار وبمختلف المؤسسات في المجتمع، كما يحدد علاقة الصحفي بمؤسسته وبمصادر أخباره. وقانون الإعلام يجب أن يساير التطورات التي تحدث في المجتمع وعلى المستوى العالمي، ويجب أن يضمن حق الفرد في المعرفة وحق الصحفي في الوصول إلى مصادر الأخبار، وكذلك حق الجمهور والمؤسسات المختلفة في المجتمع أن يحظى بتغطية إعلامية مسؤولة، نزيهة وموضوعية بعيدة عن القذف والتشهير والتلاعب. قانون الإعلام من شأنه كذلك أن يحمي مهنة الصحافة من الانتهازيين ومن الاستغلاليين الذين يريدون توظيف الإعلام من أجل التسبيح والمدح وإبراز الإيجابيات وإخفاء السلبيات، كما يهدف إلى حماية المهنة من سلطة أصحاب الأموال والسياسيين الذين يتهافتون على المؤسسة الإعلامية من أجل الظهور الإعلامي والعلنية بهدف التحكم في الخطاب الإعلامي وبذلك التحكم في الرأي العام، فالقانون يجب أن يكفل للصحافة حرية الفكر والرأي والتعبير والنقد والحق في الاتصال ونشر الأخبار، كما يجب أن يحمي الصحافة من تدخل وضغوط الحكومة ويجب أن يحظر على أي جهة حكومية فرض رقابة مسبقة أو لاحقة والتدخل الحكومي في شؤون المؤسسة الإعلامية وكيفية أداء مهامها. هذا يعني أن الممارسة الإعلامية السليمة والمسؤولة والفاعلة والناجحة في المجتمع بحاجة إلى مجتمع يؤمن ويمارس مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، قوانين الصحافة والنشر والمطبوعات يجب أن تؤكد على الاستقلالية التامة ولا رقابة حكومية مسبقة أو لاحقة على العمل الصحفي، وكذلك ضمان حرية الرأي والفكر والتعبير ومنع قبول تبرعات أو إعانات للصحيفة والصحفي. وهنا يجب التأكيد على استقلالية الإعلامي واستقلالية الصحفي وعدم خضوعه لأي إغراءات مادية أو إلى أي نوع من الرشوة. فالصحفي هو ضمير المجتمع وهو الملاحظ والمتتبع والشاهد والناقد، الأمر الذي يلزمه بالتحلي بالموضوعية والمسؤولية والنزاهة والاستقلالية وعدم الخضوع والرضوخ والتبعية من أجل الكشف عن الحقيقة والوصول إليها. أما بالنسبة لميثاق الشرف الإعلامي فهو مجموعة من المبادئ والقيم التي يتفق عليها المهنيون في حقل الصحافة حتى يصونوا أنفسهم ومهنتهم وعملهم من أي مشكلات أخلاقية وأي انزلاقات من شأنها أن تسيء للصحفي ولمهنة الصحافة، فالأمر هنا يتعلق بأهمية مهنة الصحافة ودورها الإستراتيجي والحساس في المجتمع. فالصحفي بعمله اليومي يقوم بإخبار وإبلاغ المجتمع بما يحدث، وبذلك فإنه يساهم في تشكيل الرأي العام وتقديم الصورة الحقيقية وليس الصورة المفبركة عن المجتمع. وهذا يعني أن على الصحفي أن يلتزم بأخلاقيات المهنة وأن يلتزم بالحرفية اللازمة لمراقبة الهيئة التنفيذية في المجتمع وباقي المؤسسات في القيام بعملها وأدائها لمهامها وواجباتها حسب القانون والقيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. وتأتي أهمية ميثاق الشرف الصحفي وأخلاقيات المهنة لضمان التزام الصحفي بمسؤوليته ورسالته أمام المجتمع بدون أن ينحاز لطرف ضد طرف آخر وبدون أن يتجاهل أو يغيّب الحقيقة على الرأي العام. فهدف الصحفي الوحيد هو أن ينحاز إلى الحقيقة لا غير وأن يعمل ليل نهار في إطار القانون، وأخلاقيات المهنة للوصول إلى الحقيقة وتقديمها لأفراد المجتمع. إن السكوت عن الحقيقة وإخفاءها يعتبر جريمة كبيرة في حق الرأي العام والمجتمع. فليس من حق الصحفي أن يركز على قضايا ويتناسى قضايا أخرى، وليس من حقه كذلك التلاعب بالمعلومات وممارسة التشويه والتضليل من أجل إرضاء جهة معينة أو أطراف معينة على حساب الحقيقة والرأي العام. ما نلاحظه اليوم في بعض الدول العربية هو توظيف الوسيلة الإعلامية للهدم والتخريب والنيل من الآخر بكل الوسائل والطرق لإفشال مشروع التغيير والبناء والتشييد والتنمية المستدامة، كما نلاحظ كذلك من جهة أخرى الانحياز التام للسلطة على حساب الحقيقة وتقديم المعلومة للرأي العام. وفي كلتا الحالتين يكون الإعلام قد خرج عن رسالته النبيلة. في المرحلة الحالية والظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية يحتاج المجتمع العربي إلى إعلام قوي وفعال ومسؤول وملتزم ونزيه، كما أن أية سلطة مسؤولة تؤمن بالديمقراطية وتحترم الحريات الفردية وحرية الفكر والتعبير والرأي والشفافية وإشراك الفرد في صناعة القرار بحاجة إلى إعلام قوي، حر، ملتزم ومسؤول، فالإعلام الذي تسيطر عليه السلطة وتوجهه لا يستطيع أن يكون أداة للتغيير والتطوير ومنبراً للديمقراطية. [email protected]