11 سبتمبر 2025

تسجيل

الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط بين تغول طهران وحتمية الاتحاد الخليجي

14 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); من بغداد إلى دمشق، صنعاء فبيروت، اعتمدت إيران سياسة النفس الطويل لتمرير مشروعها في المنطقة والذي يحمل في مضامينه الخفية الرغبة في إحياء الإمبراطورية الفارسية، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تتسم إستراتيجية طهران بتداخل الدين والقومية والمراوغة والانتهازية السياسية.ولفهم عوامل تمدد إيران في المنطقة والأسباب التي تكمن وراء طموحاتها الإقليمية التوسعية غير المشروعة، ومشروعها السياسي القائم على أساس نشر الفوضى والطائفية تحت شعار تصدير الثورة الإسلامية، هناك مجموعة من المرتكزات التاريخية والدينية والسياسية التي تساعد على فهم هذا الامتداد وهذه الرغبة المتزايدة في التحكم في العالم العربي والإسلامي. ويأتي على رأس هذه المرتكزات المعطى التاريخي كمدخل ضروري وموضوعي لفهم غريزة الامتداد والتحكم والهيمنة لدى صناع القرار في طهران، خاصة وأن التاريخ يشكل أحد أبرز وسائل إضفاء الشرعية على تحركات طهران التوسعية، وأحد مداخل فهم السياسة العدائية لإيران السياسية تجاه الأمة العربية، فلن ينسى الفرس أبدا أن دولة الخلافة الراشدة هي التي كانت سببا في انهيار الإمبراطورية الفارسية الساسانية المتاخمة لدولة المسلمين بعد سلسلة فتوحات إسلامية ساهمت بشكل كبير في انحصار الديانة المجوسية ونشر الإسلام في بلاد فارس.كما أن الأطماع الاستعمارية لإيران في المنطقة العربية ليست جديدة، فبالشكل الذي سعت الإمبراطورية الفارسية القديمة إلى الامتداد جغرافيا في العمق العربي بضم واحتلال بعض المناطق القريبة والبعيدة، لم تتخل الجمهورية الإسلامية على نزعتها الاستعمارية في وضع اليد على أراضي الغير ونهب ثروات دول الجوار، كاحتلال إيران للجزر الإمارتية الثلاث (طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى) وإعلان طهران الشروع في استغلال حقل الدرة المتنازع حوله بين إيران والكويت والسعودية.بذلك، فإعادة تموقع إيران في الخريطة السياسية الراهنة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية في البلدان العربية، وخلق نقط ارتكاز تابعة لها في عمق البلدان العربية في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، ما هو إلا محاولة جديدة قديمة تترجم تطلعات طهران لاتخاذ دور جديد في المنطقة يمكنها من خلاله استعادة أمجاد وأحلام ماضيها الدفين.كما لا يمكن فهم علاقة التفاعل بين إيران والعرب دون استحضار المرتكز الديني، باعتباره المؤطر الأساسي لعوامل التعايش والاختلاف والصراع بين هاتين القوميتين بفعل التراكمات التاريخية للصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة، وبالنظر أيضا إلى الجغرافية السياسية للقطبية المذهبية السنية والشيعية.وهذا هو السياق الذي يوجه أطماع إيران في السعي نحو الاطلاع بدور قائد عالمي للثورة الإسلامية باسم المذهب الشيعي، من خلال التنسيق بين الطوائف الشيعية والاستحواذ عليها وربطها بمذهب الإمامية الإثنى عشرية بهدف تشكيل قوة إقليمية كبرى تلعب دور الريادة والزعامة في المنطقة. فإلى جانب تطوير إيران لترسانتها العسكرية التي تشكل قوتها الحادة، تعتمد إيران القوة اللينة أو الناعمة والمتمثلة في ترويج نموذجها الثيوقراطي الشيعي بالموازاة مع العزف على وتر بعض التناقضات الطائفية في المجتمعات العربية، والدفع بها نحو التأزيم والتشتيت لإضعاف باقي الأقطار المنافسة التي يمكن أن تقف كعقبة في وجه طموحات إيران التوسعية، لا سيما بلدان الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قطب العالم الإسلامي السني.بذلك، شكل التشيع جوهر ولب الهوية الثقافية والقومية الإيرانية، والذي يستمد إشعاعه من خلال التظاهر بالدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية كالدفاع عن القضية الفلسطينية، لمحاولة خلق حالة من الاستقطاب والجذب اتجاه العرض السياسي الديني الإيراني، الذي يحمل في مضامينه معطيات البرغماتية السياسية التي لا تخرج عن خدمة المشروع الفارسي التوسعي.أما المرتكز السياسي في المشروع الإيراني فيتمثل في تصدير الثورة الخمينية نحو البلدان العربية، وتوسيع نطاق تطبيق النظرية السياسية الشيعية لولاية الفقيه وجعلها أساسا أيديولوجيا لكل حركات الإسلام السياسي الشيعية الراغبة في ممارسة السلطة. وهي ميليشيات أصبحت تجسد أذرع المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة كحزب الله في لبنان الذي تخطى نشاطه الملعب اللبناني وأصبح أحد أبرز أدوات تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة، لاسيما في سوريا والعراق والبحرين التي وجدت نفسها في مواجهة أحداث عنف لم تشهدها من قبل.وفي العراق شكلت الحرب على الإرهاب ذريعة لإنشاء ميليشيا الحشد الشعبي عام 2014م، وهي ميليشيا تتكون من فصائل شيعية مسلحة تجاهر بالولاء لطهران، التي تؤمن لها هي الأخرى التدريب والتسليح ومختلف أشكال الدعم المالي واللوجيستي، وقد اتسمت تحركات هذه الميليشيات في العراق بالصبغة الطائفية.وفي اليمن تشكل جماعة أنصار الله المعروفة بجماعة الحوثي صورة مصغرة لحزب الله اللبناني، حيث تطمح إيران إلى تشكيل قطب سياسي وعسكري موال لولاية الفقيه داخل العمق الخليجي من خلال إجهاض العملية السياسية السلمية في اليمن، وإفراغ المبادرة الخليجية من محتواها، واجتياح المحافظات اليمنية، وتنفيذ الانقلاب على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي.ولا تكتفي إيران بالاستناد على دعم ومساندة الميليشيات المسلحة، بل تعتمد أيضا على خلق خلايا سرية وبناء شبكات تجسسية وتنظيمات سياسية معارضة تعمل لصالحها بهدف خلق واقع سياسي يزعزع الأمن الوطني لدول الخليج العربي في مقابل خدمة المصالح الإستراتيجية للمشروع الإيراني.وهو ما يتم ترجمته على أرض الواقع في البحرين، حيث لا تكتفي إيران بدعم المعارضة السياسية وقلب موازين القوى لصالح طرف ضد أطراف أخرى في الساحة السياسية، بل تسعى إلى تحويل مملكة البحرين إلى دولة شبيهة بالعراق واليمن وسوريا من خلال خلق حالة من الاحتقان السياسي، وتأزيم الوضع وتوجيه المجموعات الشيعية المعارضة نحو القيام بأعمال تخريبية والتظاهر لإسقاط النظام. في المقابل لا يزال النظام البحريني يسعى لتهدئة الوضع والقيام بمبادرات وطنية من أجل عودة الاستقرار والأمن.أمام هذه الهجمة الشرسة من طرف إيران على المنطقة، والتي لم يعد من الممكن أو من المقبول الاكتفاء بمراقبتها، خاصة وأن النفوذ الإيراني خرج عن مواقعه التقليدية (العراق، لبنان، سوريا) باستهدافه العمق الخليجي من خلال السعي نحو خلق دولة شيعية متاخمة للحدود الخليجية في اليمن، واختراق المجال الجيوستراتيجي لبلدان منظمة التعاون الخليجي بمحاولة تأزيم الوضع السياسي في البحرين مع ما يعنيه ذلك من تهديد للأمن القومي لدول وشعوب الخليج، شكلت "عاصفة الحزم" التي استهدفت مواقع الحوثيين تغيرا نوعيا في إستراتيجية دول الخليج، من أجل احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة والخروج من الانكفاء السياسي والإستراتيجي، وإنشاء منظومة إقليمية تفرض وجودها في المنطقة.وإذا كانت عاصفة الحزم قد أعادت رسم التوازنات الإقليمية في مواجهة التفرد الإيراني، فإن إبرام طهران لاتفاق نووي مع الغرب يطرح تحديات جديدة على المنطقة، خاصة مع ما سينتج عنه من تداعيات قد تزيد من إرباك الوضع في الشرق الأوسط حيث ستتوفر لإيران السيولة اللازمة لتمويل مخططاتها التخريبية في البلدان العربية، وبالتالي إضفاء المزيد من الضبابية على أمن واستقرار المنطقة.أمام هذا الوضع الملتبس يبقى من الضروري أن تتوجه البلدان العربية لاسيما الأقطار الخليجية إلى تعزيز الجبهة الداخلية على الصعيد الرسمي والشعبي، ورسم إستراتيجية جديدة متكاملة توجه نحو ردم الهوة التي أحدثها التواجد الإيراني المكثف في عدد من البلدان العربية، وتشكيل جبهة مضادة موحدة بين كل البلدان العربية، لا سيما تلك التي شكلت محور ممانعة لإيران (مصر والمغرب والأردن) والانتقال من منطق التعاون الذي يؤسس البناء المؤسساتي الخليجي إلى منطق الاتحاد، بتشكيل اتحاد خليجي موحد يكون بمثابة الرد الإستراتيجي القوي على التهديدات الإيرانية، وفي ذات الوقت التعبير الصلب لتعزيز روابط التلاحم والتكاتف الخليجي في مواجهة الأخطار والتحديات المستقبلية.