13 سبتمبر 2025
تسجيلفي 28 مارس من سنة 2008 وافق المجلس الدولي الحكومي للبرنامج الدولي لتنمية الاتصال في دورته السادسة والعشرين على مؤشرات والإطار التقييمي الذي وضعته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتنمية وسائل الإعلام. فمنذ إنشائها سعت اليونسكو إلى تسهيل حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة كما التزمت وما زالت تلتزم بتنمية وسائل إعلام حرة ومستقلة ومتعددة. فالنظام الإعلامي الحر والديمقراطي والشفاف والفعال يعمل دائما على تكريس الديمقراطية وتعزيزها من خلال تزويد المواطنين بالمعلومات والآراء والأفكار للمشاركة في العمل السياسي واتخاذ القرارات الصائبة والرشيدة القائمة على المعلومة الصحيحة. فهناك ارتباط عضوي بين وسائل الإعلام الحرة والنزيهة والملتزمة والديمقراطية والتنمية الشاملة. تشكل حرية التعبير عنصرا أساسيا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما أنها تدعم الديمقراطية والشفافية وتساعد على تكوين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والرأي العام ومراقبة المسئولين العامين والسلطات الثلاث في المجتمع. تعتبر وسائل الإعلام الرافد الحقيقي والمنبر الرئيسي للديمقراطية و للسوق الحرة للأفكار؛ فهي أدوات تعمل على تعزيز الشفافية في الحياة العامة وتراقب التجاوزات والفساد وسوء الإدارة واستغلال النفوذ كما تعمل على نشر ثقافة الفعالية والرشادة الاقتصادية والحكم الرشيد في المجتمع.هذا من جهة لكن من جهة أخرى نلاحظ أن وسائل الإعلام في العديد من دول العالم اُستعملت وتُستعمل لتكريس الوضع الراهن والانحياز لأصحاب النفوذ المالي والسياسي على حساب المصلحة العامة ومبادئ الكلمة الحرة والديمقراطية. ومن هذا المنطلق جاءت مؤشرات اليونسكو لتقييم وضعية الإعلام في دول العالم وخاصة النامي منه لتحديد النقائص ومواطن الضعف والمجالات التي تحتاج إلى تصحيح وتطوير وإعادة نظر من أجل الرقي بالإعلام ليكون أداة للكلمة الحرة وللديمقراطية وللتنمية الشاملة وليس أداة للطغاة و الديكتاتوريين. وتتمثل هذه المؤشرات فيما يلي: الفئة الأولى تتعلق بأنظمة توفر بيئة لحرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام وتنوعها من خلال وجود إطار قانوني وتنظيمي يحمي حرية التعبير والمعلومات وفق المعايير الدولية للممارسة المهنية والمسئولة لوسائل الإعلام بالاشتراك مع المجتمع المدني. وهنا نلاحظ أن نسبة كبيرة من دول العالم تعاني من انعدام هذه البيئة لممارسة إعلامية تفرز الديمقراطية وتحميها وتصونها وتساعد على تحقيق التنمية المستدامة. فالإطار القانوني الذي يكفل التعددية الإعلامية وتنوع وسائل الإعلام وحرية الصحافة والتعبير نجده غائبا مما يحتم على العديد من دول العالم معالجة هذا المشكل والنظر في هذا المؤشر إذا أرادت أن تجعل من وسائل الإعلام أدوات للتنمية والتطور والشفافية والحوار والديمقراطية. أما الفئة الثانية فتعنى بتعددية وسائل الإعلام وتنوعها والتأكيد على المساواة الاقتصادية وشفافية الملكية. وهنا نلاحظ كذلك أن العديد من الدول النامية تعاني من أحادية الخطاب الإعلامي وتمركز الإعلام في العاصمة وفي يد حفنة من التجار الذين نادرا ما تربطهم علاقة بشيء اسمه الإعلام. وإذا طغى المال على الإعلام فإنه يتحول إلى نقمة بدلا أن يكون نعمة يخدم الديمقراطية والشفافية والتنمية المستدامة. تتمثل الفئة الثالثة في اعتبار وسائل الإعلام كمنبر للديمقراطية وهذا يعني تنوع الأفكار والآراء وإتاحة الفرصة للجميع للمساهمة في السوق الحرة للأفكار وإعطاء الإمكانية للمهمشين وللأقليات للتعبير عن انشغالاتهم ومطالبهم . وهذا يتطلب كذلك مجتمعا مدنيا فعالا وديناميكيا ورأيا عاما مستنيرا يتفاعل مع قضايا المجتمع ويساهم في صناعة الرأي العام. نلاحظ هنا كذلك أن معظم دول العالم الثالث تعاني من أنظمة إعلامية ما زالت تعيش تحت مظلة السلطة فلا ترى العالم والمجتمع إلا من خلال ما يرضي الحاكم وحاشيته وبذلك فهي أدوات لتبرير الوضع الراهن ولتكريس شرعية النظام. وفي غالب الأحيان نلاحظ فجوة كبيرة بين واقع الشارع والخطاب الإعلامي. فالربيع العربي مثلا كشف عن بعض الأنظمة العربية التي كانت، حتى عشية الإطاحة بالرؤساء الفاسدين، تمجد وتمدح وتسبح للرئيس. فالمبدأ هنا هو أن وسائل الإعلام هي في الأصل وسائل لرقابة الفساد والمحسوبية والتجاوزات التي توجد في المجتمع وتوفير البيئة الشفافة والصريحة من أجل إشراك فئات المجتمع المختلفة في بناء مشروع مجتمعي يأخذ بعين الاعتبار الشرائح الاجتماعية المختلفة في المجتمع. أما الفئة الرابعة فتخص بناء القدرات المهنية ودعم المؤسسات التي تعزز حرية التعبير والتعددية والتنوع وهذا يعني أن المنظومة الإعلامية بحاجة إلى كادر إعلامي متمرس ومتدرب وقادر على العطاء المسئول والمهني والمحترف تحت إشراف أكاديمي وعلمي وبدعم من الجمعيات المهنية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني. فوسائل الإعلام في تطور مستمر وهذا يعني الحاجة إلى مواكبة المهنة ومواكبة القائم بالاتصال لهذا التطور واستغلاله لخدمة الكلمة الحرة والديمقراطية والتنمية المستدامة. تركز الفئة الخامسة والأخيرة على البنية التحتية واستغلالها لدعم استقلالية وسائل الإعلام وتعددها. وهذا يعني أن الإعلام الفعال بحاجة إلى إمكانيات ووسائل وإلى استثمار معتبر من قبل السلطات وإلى مواكبة التطورات العالمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال. فالفئات الخمس التي حددتها اليونسكو تعتبر الإطار الذي من خلاله يتم دراسة وضعية الإعلام في أي دولة والوقوف عند النقائص والسلبيات والثغرات التي يجب النظر فيها ومعالجتها. فالدول العربية قاطبة مطالبة بالقيام بدراسات ميدانية تعتمد هذه الفئات والمعايير من أجل تقييم موضوعي وشفاف للمنظومة الإعلامية. والهدف هنا هو ليس النقد من أجل النقد ولا مجال هنا للخوف من واقع مليء بالثغرات والسلبيات وإنما الهدف هو الوقوف عند ما هو إيجابي لتدعيمه والمحافظة عليه والوقوف عند ما هو سلبي من أجل وضع وصفة للعلاج والتصحيح بهدف النهوض بقطاع استراتيجي وحيوي إذا أردنا أن نتكلم عن الديمقراطية ونجسدها في أرض الواقع. وتجدر الإشارة هنا أن اليونسكو أنجزت دراسة معتمدة على هذه الفئات في تونس ومصر وحبذا لو عممت هذه الدراسات في جميع الدول العربية بهدف تطوير المنظومة الإعلامية في مجال القانون والتشريعات والتعددية والتنوع وشفافية الملكية ودور وسائل الإعلام في الخطاب الديمقراطي ونشر الثقافة الديمقراطية والمجتمع المدني وكذلك بناء وتطوير وتكوين وتدريب الكادر الإعلامي أكاديميا وعلميا وفي مجال المعارف والمهارات وتوفير البيئة الصحية للنقابات المهنية والجمعيات الصحفية وإشراك المجتمع المدني في الشأن الإعلامي وأخيرا الاهتمام بالبنية التحتية وتوفير التكنولوجيا اللازمة لمنظومة إعلامية مطالبة بمواكبة العصر وبخدمة الديمقراطية والتنمية المستدامة. إن سعي اليونسكو لتطوير الإعلام في مختلف بلدان العالم يجب أن تتبعه إرادة قوية وصريحة وشجاعة من قبل مختلف دول العالم من أجل إصلاح الإعلام الذي إذا صلح - فهو عنوان للديمقراطية والحرية والعدالة والحوار بين الثقافات والديانات وعنوان السلم والسلام ، أما إذا فسد فيصبح عنوانا للتضليل والتلاعب بالعقول والدعاية والصور النمطية والفتن والأزمات والحروب.