15 سبتمبر 2025
تسجيلأعلن حزب العمال الكردستاني انه أوقف سحب مقاتليه من الداخل التركي الى جبال قنديل في شمال العراق. لكن قال انه سيواصل الالتزام بوقف النار الذي أعلنه من جانب واحد. كان قرار الانسحاب قد أتى في مطلع الربيع الماضي بعد نداء من زعيم الحزب عبدالله أوجالان في عيد النوروز. وجاء ذلك في سياق ما سمي بعملية الحل للمسألة الكردية في تركيا. وهي العملية التي بدأت بلقاء بين رئيس المخابرات التركية وأوجالان في سجنه بجزيرة ايمرالي في مطلع العام الجاري. وقد تعددت الروايات حينها عن ماهية مشروع الاتفاق أو الصفقة التي تم التفاهم عليها بين الجانبين أو ما اذا كان هناك صفقة في الأساس أو مجرد تبادل أفكار. لكن المناخ الذي أشاعه حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية ولا سيما رئيسها رجب طيب اردوغان عكس كما لو أن هناك اتفاقا على كل شيء. محتوى "التفاهم" ، إن وجد، هو أن ينسحب مقاتلو "الكردستاني" من داخل تركيا الى شمال العراق ومن بعدها تقدم الحكومة التركية على إصدار تشريعات برلمانية تلبي المطالب الكردية في حكم ذاتي والتعلم باللغة الأم وإطلاق سراح المعتقلين الأكراد لتتوج في النهاية بإعلان الحزب التخلي عن العمل المسلح وإلقاء سلاحه وتحرير أوجالان من السجن ليتحول الحزب الكردي الى حزب سياسي وأوجالان الى زعيم سياسي شرعي. إلى هنا تعددت الاجتماعات بين الدولة التركية وأوجالان وبين زعماء حزب السلام والديموقراطية الكردي الممثلين في البرلمان بحوالي 35 نائبا. كما دخلت قيادة جبل قنديل العسكرية على خط المفاوضات غير المباشرة حيث ان أي ترجمة عملية لأي اتفاق تحتاج الى موافقة "قنديل" واشرافها لتعذر إدارة اوجالان للعملية العسكرية والسياسية من سجنه. القاعدة التي كانت قيادة قنديل تخرج بها هي انها تأتمر بأوامر أوجالان الذي تثق فيه وبتوجيهاته. قبل أسابيع بدأت تخرج "الصرخة" من الجانب الكردي وتوالت التصريحات من قادة قنديل ولا سيما رئيس الهيئة الرئاسية جميل بايق والرجل الثاني في الحزب مراد قره يلان كذلك من جانب حزب السلام والديموقراطية الكردي بأن الحكومة التركية لا تفي بوعودها وبأنها لم تقدم على أي خطوة ولو صغيرة تعكس التزاما بالتفاهمات او تشي بأن الحكومة مستعدة في المضي بخطط السلام مع الأكراد. بيان حزب العمال الكردستاني قبل أيام من قنديل عدد تخلي الحكومة عن وعودها فيما خص السماح بالتعلم باللغة الكردية في المدارس الكردية طبعا الى جانب التركية، وعدم تحسين الظروف التي يعتقل فيها أوجالان وعدم اطلاق سراح اي معتقل حتى الآن. وعدم تغيير اي قانون لمنح صلاحيات واسعة للحكم المحلي في جنوب شرق تركيا. بل اتهم البيان الحكومة بتعزيز المخافر العسكرية وعناصر حراس القرى التابعين للدولة. وأكد البيان ان الكرة في ملعب الدولة بعدما انسحب جانب كبير من مقاتلي الكردستاني من تركيا. الجانب التركي يكتفي بالقول إن السبب هو ان الكردستاني لم يسحب من عناصره سوى 15 في المئة وهذا عمليا كأنه لم ينسحب. لكن من الواضح أن الحكومة التركية التي باشرت سابقا في تفاهمات مع الأكراد قد تكون تخلت عن جوهر العملية السلمية لأكثر من سبب. منها أن الوضع الميداني في شمال سوريا قد تغير لصالح حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الموالي لحزب العمال الكردستاني ما أثار شكوك الأتراك بأن حزب العمال الكردستاني يتحدث عن سلام في تركيا فيما يسعى لتغيير المعادلة في شمال سوريا ضد تركيا. ومن الأسباب ان اردوغان كان يريد من الصفقة مع الأكراد من بين ما يريد تصويت النواب الأكراد معه في البرلمان لتغيير النظام من برلماني الى رئاسي لكي يترشح لرئاسة الجمهورية في العام 2014 بصلاحيات قوية وعلى ما يبدو فإن اردوغان قد تخلى عن نيته في تغيير النظام الرئاسي فتراجعت الحاجة لأصوات حزب السلام والديموقراطية الكردي في البرلمان. كما أن التغييرات المستجدة في المنطقة منذ الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين في مصر وخسارة اردوغان حليفا اقليميا كبيرا له دفعته لإعادة النظر بمجمل مقاربته لحل المشكلة الكردية. لكن الأخطر على تركيا ان ينتقل حزب العمال الكردستاني من قرار وقف الانسحاب الى قرار إنهاء وقف النار والعودة الى العمليات العسكرية التي هدد بأنها ستكون حربا شاملة على الدولة التركية فتخسر تركيا فرصة تاريخية لحل المشكلة الكردية.