17 سبتمبر 2025

تسجيل

الربيع: وقفة تأمل وعبر

14 سبتمبر 2013

عندما قامت موجات الربيع وجدت الحماس عند الكثير ووجدت العديد ينتظر أياماً سعيدة بعد مشقة وعناء طويل، ظن الكثير أن الفجر بازغ بعد ليل طويل من أنظمة سببت لشعوبها التعاسة والشقاء من غلاء الأسعار وبطالة وفساد وضياع الهوية وهزائم وتسلط انتهت بوراثة الأبناء لأبنائهم من خلال المجموعات المستفيدة التي أحاطت بالحكام في دول الربيع قبل الثورات، فماذا حصل؟.. إن العواطف والإعلام الذي كان موجهاً لدفع الناس للثورات والخروج كان ممنهجاً وسار الجميع في هذه الموجة، ولكن لم يدرك الكثير أن هذه أنظمة حكمت أكثر من ستين عاماً ولها جذور وهي متعمقة ونفوذها قوي ليس من خلال المؤسسة العسكرية فقط بل من خلال الفكر والثقافة، إن هذه الأنظمة قد أوجدت ثقافة وفكرا من خلال التربية والتعليم والثقافة والإعلام والفن وحتى الثقافة الدينية كانت ممنهجة ومبرمجة، فأوجدت جيلا يعيش في هذه الأفكار وكانت فترة الشيوعية وغزوها للعالم العربي بالفكر والثقافة الشيوعية واليسارية وفترات مجد وأوج قوة هذه التيارات التي فرضت هذا الفكر الذي أعلن الحرب على الهوية الإسلامية للأمة من خلال غزو فكري مركز وموجه بقوة السلاح وكانت أنظمة قمعية ترفض الخصوم ودمرت الأمة وأوردت بمقدراتها وكلفتها الكثير من الهزائم والتمزق والدمار والفقر، ونشأ عن ذلك فعل من فئات مما أظهر جماعة التطرف الديني كردة فعل لليسار وتطرفه، وبعدما بدأ انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور أمريكا التي كانت عدوا إلى صديق، ودول الاتحاد الأوروبي التي عادت إلى المنطقة وبدأت تعد جيلا بديلا عن الجيل السابق ممنهج بفكر الغرب المغري للأمة حتى الطعام واللباس وأسلوب التفكير وذلك بعد تولي السادات ومبادرة السلام وتولي بن علي في تونس وغيره، وبدأ الغرب يفكر في إعادة رسم الخريطة في المنطقة لمصلحة استقرار أمن إسرائيل وتفوقها وظهورها كدولة حضارية أمام مجموعة من الهمج المتخلفين العرب، هذه الصورة التي يراد أن تقدم للمانحين والداعمين لإسرائيل في الغرب والحصول على دعم دائم لها. وحقق العرب للغرب استقرار إسرائيل بالصراعات والتمزق ووفروا عليها شراء ترسانات الأسلحة التي تكدست بها إسرائيل، وحتى الفلسطينيين وصولاً إلى حالة من التمزق. وجاء الربيع الذي كان على يد مجموعات التواصل الاجتماعي والتي أريد لها الخروج وهي مضمونة في ظل خريطة للمنطقة تتمثل في تيارات ليبرالية متعددة وتيارات يسارية هادلت الإسلاميين والليبراليين لتحافظ على وجودها لعدم وجود داعم روسي أو صيني أو حتى عربي، وبدأت العلاقات الودية التي تخفي في ثناياها عداء شديداً وتاريخا من الأحقاد بين الإسلاميين واليسار، وتحالف الجميع لاحتواء ثورات الشباب التي لا هدف لها وإنما هي مسيرة لهدف مبرمج، وأرادت القوى العالمية المتنفذة خروج الإسلاميين لاستنزافهم في صراعات، وشارك الإسلاميون بحجة الخلاص من الأنظمة الشمولية ليقعوا بين براثن اليسار والليبراليين، وقد تم تمكين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة وانخدعوا بالشارع الذي هو مسير وليس مقياساً ولا يعبر عن فكر، وفعلاً نجح الإسلاميون وانخدعوا بالمناصب وظنوا أنهم يمثلون الجماهير وأنهم قوة واغتروا بهذه المظاهر، وعندما تحرك اليسار والليبراليون مع الأنظمة السابقة التي لم تتغير فهي مازالت المسيطرة من خلال المؤسسات، وكان الوضع في مصر مثلاً دليلا على ذلك بإلغاء البرلمان والحرب على الرئيس مرسي من خلال سيف القضاء الذي كان يشغل الرئيس بأحكام وقرارات عرقلت جهوده، إضافة إلى عرقلة الأوضاع الاقتصادية والحرب السرية، وكانت الجهات المؤسسية العسكرية صامتة تتفرج وتعد عدتها للفرصة السانحة بعد معرفة جوانب قوة وضعف هؤلاء، وفعلاً بعد أن تحصلت هذه الجهات على ما تريده من معلومات نسقت مع اليسار والليبراليين على ضرب هؤلاء في ساعة الصفر واستخدمت الوسائل الإعلامية وغيرها وخرج مرسي بشكل مهين وقبض على أعضاء حزبه بشكل عنيف وبأسلوب الخمسينيات والستينيات وتلقى هؤلاء ضربة قاصمة مهما حاولوا أن يبرروها لخطأيهم الاستراتيجي وجهلهم بأسلوب الحكم وتقييم الأوضاع، وكان لإحراق المقرات والمظاهرات ضدهم إشارة كافية للخروج بأقل الخسائر بعد مواقف الأجهزة المؤيدة لذلك تحت مسمى البلطجية، وبعدها تحرك الليبراليون في تونس ثم جاءت أحداث سوريا لتغطي على ما يجري في مصر. المنطقة مقدمة على مرحلة استنزاف وتدمير للمقدرات والصراع والخلاف والاحتقان لضرب الوحدة وتفوق إسرائيل وإجبار الفلسطينيين على القبول بالشروط الإسرائيلية المذلة بإنهاكهم وحصار غزة ولإنهاء المقاومة، وظهور أفكار تجعل شبابا من أبناء الربيع يتجرأ على سب الإسلام ورسول الإسلام والطعن فيه كدين، ولعب اليساريون لعبتهم مع الليبراليين ولكن ضد الإسلام وليس ضد الجماعات الإسلامية، مما يعني بداية ظهور جماعات متطرفة وانحسار الاعتدال، وهو ما يخطط له لصناعة جماعات التطرف كبديل عن الاعتدال.