15 سبتمبر 2025
تسجيلأنا واحد من كثيرين، على ما أعتقد، كانوا لا يعلمون شيئاً لا من قريب ولا بعيد حول الفيلم الذي تظاهر، اعتراضاً عليه، العشرات وربما المئات في مصر ثم في ليبيا، وأدى إلى هذه البلبلة، لا سيما في ليبيا بعد الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي . ولولا هذه الاحتجاجات لما سمعنا عن الفيلم قياساً على غيره من الأفلام التي تنتج سنوياً في العالم. فمن منّا كان يعلم عن الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام والتي قامت الدنيا ولم تقعد لولا أن حفنة من المسلمين أرادوا الردّ عليها واعتبروها استيلادا جديدا للحرب الصليبية؟ . الأمر نفسه حصل مع الفيلم الهولندي الذي أنتجه سياسي مغمور يدعى فيلدرز في 2008 حيث تسلق على ظهر المسلمين للوصول إلى الشهرة . ولعل القس الأمريكي جيري جونز اكتشف السرّ بعده بعام، فسعى للحصول على تمويل كنيسته واكتساب شهرته من خلال حرق المصاحف بعد أن دعا وسائل الإعلام لتغطية الحدث. ويأتي هذا المنتج المغمور ليبني شهرته سالكاً نفس الطريق . المعلومات القليلة التي أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر يوم الأربعاء الفائت بعد حوار أجرته مع منتج الفيلم، تقول إن فيلم "براءة المسلمين" أخرجه وأنتجه سام باسيل وهو إسرائيلي- أمريكي (54 عاما) . ويعتقد منتجه أن الإسلام "دين كراهية" وهو بمثابة سرطان ينبغي استئصاله. وقد جمع المنتج خمسة ملايين دولار من 100 مانح يهودي لتمويل الفيلم الذي يستغرق ساعتين. الخطورة في الموضوع الحالي خلافاً لكلّ الإنتاجات السابقة المسيئة للإسلام هو ما يحكي عن تورط أشخاص مصريين من بعض الأقباط الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة في إنتاج الفيلم وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول حقيقة من يقف وراء الفيلم وما إذا كان الأمر مجرد كره للإسلام كدين أم أن أهدافا سياسية تتلبس لبوس حرية الرأي والتعبير تقوم بذلك. ومعروف أن عدداً من الأقباط الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة قديما، شكلوا بالتعاون والتنسيق مع جهات أمريكية ويهودية لوبيات للضغط على الإدارة الأمريكية للتدخل في شؤون أقباط مصر خلال عهدي أنور السادات وحسني مبارك. ثم جاء عهد الإخوان فكان لا بد من إعادة الزخم لهذا الضغط للتهويل من الإسلام وشيطنة التيارات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين الذين قدموا إلى الحكم مؤخراً.. ويزداد الأمر خطورة حين يتم توجيه تهم لعدد من الأقباط المتورطين بإنتاج الفيلم بالتعاون مع أمريكيين للتخطيط لتقسيم مصر إلى عدة دول على أساس ديني وعرقي. يذكرنا هذا بما كشفت عنه المخابرات المصرية قبل عدة شهور حين قامت بحملة ضد مؤسسات مجتمع مدني مدعومة من الولايات المتحدة واكتشفت أنه يوجد بحوزة بعض منها خرائط لمصر مقسمة على أساس عرقي وديني. ثم إن توقيت نشر مقطع من الفيلم على اليوتيوب في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر يجدد الغضب الغربي على كل ما يرتبط بالثقافة الإسلامية. فالتوقيت وارتباط حفنة من أقباط مصر به يزيد من عناصر الريبة والشك تجاه الجهات التي تقف وراء هذا المشروع . ويبدو لي أن القلق الإسرائيلي، بالتعاون مع هذه اللوبيات في الغرب، من أي تحول غربي في التعاطي مع العالم العربي بعد الثورات العربية، إضافة لحرص إسرائيل على خلق القلاقل داخل الدول العربية هو السبب وراء افتعال هذا النوع من الأزمات . فالشارع العربي يغلي على وقع الثورات العربية والمتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة، وقد جاء الفيلم المسيء للرسول الأكرم عليه الصلاة السلام ليؤجج من غليان الشارع وتحديدا في البلدان التي شهدت ثورات مثل مصر وليبيا وتونس .. وبما أن من يحرك الشارع اليوم هو التيارات الإسلامية التي ينظر أغلبها إلى الغرب باعتباره عدوا للإسلام والمسلمين، ما يزيد من تأجيج الصراع، ويعيد خلق ثقافة صراع الحضارات التي بشرّ بها مطلع تسعينيات القرن الماضي صمويل هنتجتون.