11 سبتمبر 2025
تسجيليتساءل المرء العربي بالذات وليس غيره من بني البشر في هذا العالم عن قصة بايدن مع اسطوانته المشروخة في التحقيق الشامل كما كان يرددها في كل مناسبة ترتكب فيها إسرائيل جرائمها المفضوحة نهاراً جهاراً ضد الشعب العربي الفلسطيني أفراداً وجماعات، حيث بدأت هذه الاسطوانة بالترديد لأول مرة عند مطالبة بايدن بالتحقيق الشامل في اغتيال مراسلة الجزيرة الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، ورددها مؤخراً في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، فما هي القصة، وما مغزى إثارتها وترديدها بين الفينة والأخرى، وبمناسبة وبغير مناسبة، فهل الرئيس الأمريكي بايدن صادق في المطالبة بإجراء تحقيق شامل في هذه الجرائم، أم هي عنترية للاستهلاك الداخلي الأمريكي باعتبار شيرين مواطنة أمريكية من ناحية، ولذر الرماد في عيون العرب والفلسطينيين من ناحية أخرى، أم للتظاهر بالعدل والإنصاف والمسؤولية المزيفة أمام العالم ككل، والتظاهر بالنزاهة والحيادية وعدم الانحياز لإسرائيل؟ فالنتيجة واضحة، فلا مصداقية ولا نزاهة ولا حياد، بل عنترية مطلقة، وانحياز واضح وصريح لإسرائيل، وضرب كل القيم والمبادئ الأخلاقية الأمريكية بعرض الحائط، ودون خجل ولا حياء ولا استحياء. ففي واقعة اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، طالب الرئيس بايدن وألح وأصر على إجراء تحقيق شامل ونزيه في الحادثة، مع علمه اليقين بأن الحادثة ما كانت لتحدث لولا صدور أوامر واضحة مباشرة من رؤساء وضباط الجيس الإسرائيلي. فالحديث هنا عن صدور أمر عسكري صريح ذي خلفية سياسية بالاغتيال وجب تنفيذه دون تردد. فالأمر واضح وشيرين مستهدفة بالاغتيال في المقام الأول ومن أعلى هرم السلطة الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فلم يتردد بايدن في إصراره على التحقيق الشامل في الحادثة. فماذا حدث في التحقيق الأمريكي الشامل، فهل وُجهت تهمة مباشرة وصريحة إلى إسرائيل أم تم التلاعب بالألفاظ، وإيجاد الحجج والمبررات مثل وقوع الحادثة في معركة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، مما يُرجح انطلاق رصاصة طائشة من هنا أوهناك، كما ورد في الرواية الإسرائيلية، وفي النهاية تُبرأ إسرائيل وتنجو بفعلتها ليس من العقاب فحسب بل حتى من مجرد التهمة، وذلك بمساعدة فريق التحقيق الأمريكي الذي جاء من واشنطن بغرض تمييع القضية بأحداثها وملابساتها وتحريفها عن مسارها، ليضيع دم شيرين، ويُغلق الملف. وهذا يحدث في قضية اغتيال مواطنة أمريكية، فكيف لو لم تكن الضحية أمريكية؟ لكانت النتيجة أدهى وأمر، وأشد ظلماً وقهراً. وبذلك فقد وضع بايدن نفسه في حرج أمام العالم. وفي الواقعة الثانية، وهي حرب إسرائيل على غزة، والهجوم المباغت عليها، وقصف المنازل من الجو، وهدمها على رؤوس ساكنيها، واستهداف قيادات في حركة الجهاد الإسلامي بالاغتيال والتصفية الجسدية، وقتل الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال بالطائرات الحربية المقاتلة، والقذائف الصاروخية، والأسلحة المتطورة الفتاكة، وتدمير شامل للمخيمات الفلسطينية دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين الغزاويين في العيش بأمن وأمان في مخيماتهم السكنية في أرضهم الفلسطينية. فالاعتداء وحشي همجي لا هوادة فيه، ولا رحمة، ومجرد من كل القيم والمبادئ الإنسانية، ومستنداً إلى حجج واهية، ومبررات ضعيفة لا تدعم قرار العدوان الظالم، وقتل وتشريد المواطنين الآمنين الأبرياء من منازلهم ومساكنهم. وعلى الرغم مما يحدث، يأتي بيان البيت الأبيض ليؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولو كان ذلك بعملية عسكرية استباقية احترازية مبنية على الافتراضات والمعلومات المفبركة. والغريب أن يأتي هذا البيان قبل أن تبدأ حركة الجهاد بالرد بالصواريخ والقذائف الصاروخية الموجهة إلى مدن الاحتلال الإسرائيلي القريبة من قطاع غزة وعلى الشريط الحدودي منها، والمدن البعيدة عنه. ومن ثم يأتي الرئيس الأمركي بايدن بتصريح آخر يدعم فيه إجراء تحقيق شامل في الواقعة، فكيف يكون ذلك، وبأي منطق وعقلانية؟ سؤال يستدعي التوقف والتمعن في المغزى من إجراء التحقيق الشامل في العدوان ودعمه أمريكيا، ففيم التحقيق؟. هل هو في العدوان على غزة وأسبابه، وما نجم عنه من قتل وتدمير وتشريد للمواطنين الآمنين، أم في صد العدوان والرد عليه، وقصف المدن إسرائيلية القريبة والبعيدة من غزة؟. وبالتوقف عند الحالتين والتمعن فيهما، يتبين الموقف الأمريكي المزيف، والمغزى الكامن وراءه. ففي الحالة الأولى لم يكن إصرار البيت الأبيض على التحقيق إلا لإخراج إسرائيل من مأزق الاغتيال المتعمد للتأكيد على أنه اغتيال غير مقصود حدث نتيجة للتراشق بالنيران بين الجيش الإسرائيلي وعناصر من حركة الجهاد الإسلامي. وهذا بالطبع مخرج يفتقر إلى العقلانية والموضوعية والدقة، ولا يمكن لأي عاقل أن يصدقه على الإطلاق. أما التحقيق في القضية الثانية، فهو مجرد دعم لأي مطلب للتحقيق في المواجهة بين طرفي الصراع في غزة، وذلك مرة أخرى لتبرير العدوان على غزة. ففي النهاية، يتبين أن التحقيق والمطالبة به أو دعمه ما هو إلا أسطوانة مشروخة رددها بايدن لتبرير جرائم إسرائيل، ودعمها في أي موقف ومناسبة، وتبرئتها من أي جرم. ● كلية التربية – جامعة قطر