11 سبتمبر 2025

تسجيل

الاتحاد الإفريقي وتحديات الفساد والإرهاب (2)

14 يوليو 2018

 في قمته الحادية والثلاثين وجد الاتحاد الإفريقي على جدول أعماله تحديات كبيرة ومشاكل لها جذور في تاريخ القارة السمراء. محاربة الإرهاب، والتطرف والفساد والحكومة والحكم الرشيد والرشادة الاقتصادية والإصلاحات المؤسساتية للمنظمة وغيرها من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تخرج العمل الإفريقي المشترك من الاجتماعات واللقاءات والشعارات إلى برنامج عمل واقعي وعملي يستجيب لمتطلبات العصر ومقتضيات العولمة. المشكل الرئيسي الذي يعاني منه الاتحاد الإفريقي هو عدم قدرته على التأقلم مع المعطيات الدولية ومع التطورات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم. فإذا كانت منظمة الوحدة الإفريقية ناجحة وحققت انطلاقة قوية في الستينات وسجلت مواقف شجاعة، فإنها بعد عقدها الأول أصبحت عقيمة وفشلت في تسجيل مواقف مشرفة بعد مرحلة الاستقلال. وهكذا فشلت المنظمة في حل العديد من النزاعات التي قامت وما زالت قائمة بين دول مجاورة وبين قبائل متناحرة داخل نفس البلد. وما  هو قائم بشأن الحدود مثلا بين الكثير من الدول الإفريقية ما هو إلا مثال على سلسلة الفشل المتكررة للمنظمة. من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاتحاد كذلك المشكل المالي و الناجم بالدرجة الأولى عن عدم دفع العديد من الدول الإفريقية اشتراكها للاتحاد و هذا المشكل يعرقل بطبيعة الحال نشاط و عمل الاتحاد في المستقبل . هذا يجرنا لا محال للكلام عن الصعوبات المختلفة التي تواجهها أي منظمة قارية بحجم الاتحاد الإفريقي الذي يضم عددا كبيرا من الدول يتخبط معظمها في مشاكل الشرعية السياسية والأمن الاقتصادي ومشاكل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والرأي. وهنا نتساءل من هو الذي يموّل الاتحاد الإفريقي وأجهزته المختلفة؟         تعاني معظم الدول الإفريقية من انعدام الشرعية السياسية كما تعاني كذلك من انعدام مجتمع مدني و ممارسة سياسية شعبية واسعة، و النتيجة في نهاية المطاف هي انعدام الثقة بين القمة و القاعدة أي بين الحاكم والمحكوم و غياب القرار السياسي الرشيد و الناجح و هذا ينعكس بالسلب على الأداء العام في المجتمع. فالقارة السمراء تشتهر على المستوى العالمي بانقلاباتها العسكرية و بذلك بعدم استقرار أنظمة الحكم فيها، كما تشتهر كذلك بالرشوة و بضعف التسيير و الإدارة . فانعدام الثقة بين الحاكم و المحكوم و انعدام هيبة الدولة و انعدام المجتمع المدني و كذلك الثقافة المؤسساتية كل هذه الأمور تؤدي إلى انعدام الرشادة و انعدام الأداء المسؤول و الفعال و المستمر و المتطور. فالقارة السمراء تعتبر من أغنى القارات في العالم و من أفقرها في نفس الوقت، و هذا بطبيعة الحال لم يأت هكذا من العدم و إنما هناك أسباب و عوامل انتشرت و تجذرت  وأصبحت ثقافة سائدة.         إفريقيا عانت الكثير من الأنظمة العسكرية الدكتاتورية التي حولت خيرات البلد إلى حسابات شخصية في البنوك السويسرية و الأوروبية و التي قدمت المصالح الشخصية لأفراد يحسبون على أصابع اليد الواحدة على مصالح أمة بأكملها، و هكذا فاقت ثرواتهم كل التوقعات و فاقت حتى الديون الخارجية المستحقة على بلدانهم. و هكذا فإن الزواج الفاشل بين العسكر و السياسة أدى إلى خسائر فادحة على مستوى الديمقراطية و المشاركة السياسية، كما أدى كذلك إلى خسائر فادحة على المستوى الاقتصادي. كيف إذا نتكلم عن الاتحاد الإفريقي والقارة لا تتوفر على أنظمة تقوم على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير وحرية الصحافة. كيف لنا أن نتكلم عن اتحاد إفريقي وبعض الدول الإفريقية لم تستطع أن توحد الأقليات العرقية والفصائل الموجودة داخل حدودها.      لا يمكن لأي دولة أن تفكر في الرشادة الاقتصادية والأداء الاقتصادي الجيد في غياب الشرعية السياسية والمجتمع المدني والمشاركة السياسية؛ القارة السمراء بعد موجة الاستقلال وبعد أربعة عقود لم تستطع أن توفر لنفسها مستلزمات الانطلاقة الاقتصادية السليمة ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغةوتعيش في دوامة التبعية الاقتصادية والتفكك الاجتماعي والانجراف الثقافي وإلى غير ذلك من المشاكل التي لا تنتهي والتي تولّد يوما بعد يوم مشاكل أخرى. إن التحدي الكبير الذي يواجه الاتحاد الإفريقي اليوم هو العامل الاقتصادي، وما يهم رجل الشارع الإفريقي بالدرجة الأولى هو توفير لقمة العيش اليومية. فالوحدة الحقيقية تقوم على أسس ثقافية، اجتماعية، سياسية واقتصادية ولا تعتمد على الشعارات الجوفاء والتوصيات والقرارات التي لا تخرج في غالب الأحيان من قاعات الاجتماعات. القارة الإفريقية اليوم تعاني من مشاكل لا تحصى ولا تعد، هذه المشاكل جميعها لا يستطيع أي اتحاد أو تكتل أو منظمة في العالم العمل على حلها بمجرد المؤتمرات  واللقاءات الدورية ولا بمجرد التوصيات والقرارات، ما تحتاجه إفريقيا واتحادها الجديد هو ترتيب الدار من الداخل أي على مستوى كل دولة إفريقية وتفعيل الاتحاد بانطلاقة جديدة تعتمد على الواقعية و الفاعلية و التأقلم مع معطيات النظام الدولي الجديد و تحديات القرن الحادي و العشرين.      فكرة الاتحاد الإفريقي فكرة جيدة كان من ورائها الراحل العقيد القذافي في الاجتماع الاستثنائي للمنظمة في مدينة سيرت سنة 1999  و هذا يعني أن التحدي كبير و المسؤولية أكبر، فهل حان الوقت لمراجعة الذات و التعلم من الأخطاء و تصحيحها و إيجاد موقع للقارة السمراء في خريطة  العالم المعولم ؟  الأمر يتعلق بتحرير الفرد الإفريقي و تكريس الديمقراطية في أرض الواقع والاستغلال الأمثل للخيرات والثروات و الإمكانيات التي تتمتع بها القارة السمراء. فمجرد استنساخ الاتحاد الأوروبي بمؤسساته و هيئاته و هياكله في كيان اسمه الاتحاد الإفريقي لا يؤهل القارة السمراء للتخلص من همومها و مشاكلها. هل تتحرر أفريقيا  و هل ستستيقظ في ظل الاتحاد  الإفريقي بأجهزته الجديدة و ببرلمانه ؟ هذا ما يتمناه  أكثر من  مليار  و280 مليون نسمة يحلمون بحياة كريمة و شريفة  و بديمقراطية و عدالة في توزيع الثروات و احترام حقوق الإنسان لا غير. في الختام نخلص إلى القول أن التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي كثيرة ومعقدة... من الفساد إلى الهجرة غير الشرعية، والإرهاب المنتشر في الساحل الأفريقي، إضافة إلى الخلافات الثنائية بين بلدانها، لتصبح هذه المنطقة من أكثر بؤر التوتر والفقر والفساد في العالم، وتتحوّل أزماتها إلى معضلات مستمرة منذ عقود من الزمن لم تفلح الجهود المبذولة في حلها.