14 سبتمبر 2025

تسجيل

ميسرة بن عبد ربه بين الكذب والخيال

14 يوليو 2015

كتاب ميزان الاعتدال للإمام الذهبي فيه بيان لرواة الأحاديث والحكم على كل واحد فيهم من حيث الوثوق في صحة ما يرويه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أم لا.وقد ترجم في هذا الكتاب لشخصية امتلأت بها كتب التفسير والرقائق واللطائف، إنه ميسرة بن عبد ربه، ذلك الرجل الكذاب الذي كانت أحاديثه غريبة، ورغم غرابتها نقلها بعض المفسرين الكبار، دون تعليق وهم في غنى عن نقلها، فنص القرآن لا يحتاج إلى أن يفسر بهذه الروايات التي هي أشبه بالخيال، كما جاء في تفسير البغوي حول:" ويحمل عرش ربك يوئذ ثمانية" ، وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ عبد ربه: أرجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم خَرَقَ، الْعَرْشَ، وَهُمْ خُشُوعٌ لَا يَرْفَعُونَ طَرْفَهُمْ، وَهُمْ أَشَدُّ خَوْفًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَشَدُّ خَوْفًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، وَالَّتِي تَلِيهَا أَشَدُّ خَوْفًا مِنَ الَّتِي تَلِيهَا.وهذا النص ظاهر فيه الكذب ولغته ليست بلغة إسناد ولا حديث، إنما هي لغة مغرم بالقصص التي تمتع الناس.من أجل ذلك وجب على الأمة الآن أن تهذب هذه التفاسير وأن تخرج منها هذه الأكاذيب وتلك الأغاليط، وهذا جهد كبير ينبغي التفكير في إنجازه خاصة في وقت باتت فيه التفاسير متاحة رقميا، واستدعاؤها يكون سهلا ميسورا، ومن الممكن الاستشهاد بروايات هذا الكذاب دون علم بحاله ومقاله.إن هذا الكذاب نبه عليه كثير من المحدثين، وأولهم الإمام البخاري، وابن حجر والدار قطني وغيرهم، قال الإمام الذهبي: " قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويضع الحديث، وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل، وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك.وقال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين والثغور، وقال أبو زرعة: وضع في فضل قزوين أربعين حديثاً، وكان يقول: إنى أحتسب في ذلك، وقال البخاري: ميسرة بن عبد ربه يُرمَى بالكذب".وقد اعترف ميسرة بالكذب فعن ابن مهدي قال: «قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث (من قرأ كذا فله كذا)؟ قال: وضعتها أرغِّب الناس فيها» الإتقان للسيوطي 4/115ومن أكاذيبه أنه خص العقل بموضوعات كثيرة نسبها إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال ابن الجوزي ((رويت في العقول أحاديث كثيرة ليس فيها شيء يثبت)) قال ابن الجوزي ((رويت في العقول أحاديث كثيرة ليس فيها شيء يثبت)). قال الدارقطني كتاب العقل وضعه أربعة: أولهم ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبّر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخرى ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخرى.لقد كان ميسرة من الذين نسجوا موضوعات لا أصل لها، وقراءتها تعد من الخيال والغرائب، فمثلا: وقال ابن حبان: روى ميسرة عن عمر بن سليمان الدمشقي، عن الضحاك، عن ابن عباس - مرفوعاً: لما أسرى بي إلى السماء الدنيا رأيت فيها ديكا له زغب أخضر، وريش أبيض، ورجلاه في التخوم، ورأسه عند العرش ... وذكر حديثاً طويلا في المعراج نحو عشرين ورقة.وكما نسج من الخيال موضوعات أيضا أعتقد أنه نسج عن نفسه أو نسجت عنه قصص أقرب إلى الخيال، حيث اشتهر بكثرة الأكل، ومن ذلك مثلا: دخل رجل على ميسرة فقال: يا ميسرة! كم يشبعك؟ قال: من بيتي أم من بيت غيري؟ قال: من بيتك، قال: رغيف أو رغيفين، قال: من بيت غيرك، قال: اخبز واطرح.وذكر الإمام الذهبي جملة من هذه الأساطير ومنها: قيل لميسرة التراس: إيش أكلت اليوم؟ قال: أربعة آلاف تينة ومائة رغيف وقوصرتي بصل ومسلوخا ونصف جرة سمن فما بقوا شيئا حتى خبؤوه منى.وقال الأصمعي: قال لي الرشيد: كم أكثر شئ أكله ميسرة؟ قلت: مائة رغيف ونصف مكوك ملح، فدعا بفيل فطرح له مائة رغيف فأكلها إلا رغيفا.وذكرت بإسناد في تاريخي الكبير أن بعض المجان أنزلوه عن حماره ثم ذبحوه وشووه وأطعموه إياه على أنه كبش، ثم جمعوا له ثمن الحمار. وقال الأصمعي: نذرت امرأة أن تشبع ميسرة فأتته وقالت: اقتصد، فكان الذي أشبعه كفاية سبعين نفسا.وقيل: إنه كان يزوق السقوف، فطلبه رجل يزوق داره، ثم دعا الرجل ثلاثين.والحديث موصول عن الكذابين في اللقاء القادم إن شاء الله