11 سبتمبر 2025

تسجيل

عبدالرحمن بن عبدالله بن درهم .. من روّاد علماء قطر (3)

14 يوليو 2015

يعد « ابن درهم } أحد أبرز علماء قطر الذين عاشوا في القرن الماضي ، وقد ذكرت الكثير من المراجع انه ولد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي وكانت وفاته في بداية أربعينيات القرن العشرين الميلادي ، حيث عاش في الفترة ما بين (1290 – 1362 هـ ) الموافق ( 1873 – 1943 م) ، واسمه الكامل (عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن درهم ) . وهو يعد أحد أعلام الحركة الفكرية القطرية. وتشير بعض المصادر عن الشيخ ابن درهم بأنه: وُلد في مدينة الدوحة ، وتلقى علومه الشرعية واللغوية والأدبية والتاريخية على يد والده الشيخ عبد الله ابن درهم ، وقد رحل وهو في الـ23 في بعثة علمية إلى مدينة الرياض حوالي عام 1895 ، وذلك على نفقة حاكم قطر آنذاك المؤسس الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني، وأُتيح لهذا الشاب أن يختلف إلى حلقات كبار العلماء هناك ، لا سيَّما حلقة (الشيخ عبد الله بن عبداللطيف آل الشيخ) ، وأقام الشيخ عبد الرحمن في الرياض حولاً كاملاً ، ورجع بعدها إلى وطنه قطر متعمقاً في الدراسة على يد والده الشيخ عبد الله الذي تبوأ آنذاك منزلة جليلة بين العلماء بوصفه قاضي قطر الشرعي ، وهو منصب ديني رفيع شغله والده 24 سنة. وانتقل الشيخ عبد الرحمن ابن درهم إلى الحياة العملية فاشتغل بتجارة اللؤلؤ ابان عهد الغوص والعمل في البحر ، ولكنه لم ينقطع عن العلم ، وظل شغفه بالكتب متصلاً ، وكان ينفق الساعات من يومه ونهاره سائحاً في بساتين الأدب والعلم ، غير مخلٍ أوقاته من فائدة يلتقطها من هنا وهناك ، وعزم على أن يقدم لأبناء وطنه وعصره وأُمته كتاباً حافلاً يترجم عن سعة معرفته وضربه في المصادر والمظان ، فجمع كتابه « نُزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار » ، ولعلّ ممّا مكنه من إنجاز مهمته على أحسن وجه موهبته الشعرية وكثرة اطلاعه وشغفه بالأدب. وقد عُرف عن الشيخ (ابن درهم) شخصيته المتماسكة وخصاله الحميدة ، وكان مثالاً طيباً للإيمان الصادق واستقامة السيرة وكرم الخُلق وحسن المعشر وطيب النفس ، كما كان يجمع إلى ذلك صفات علمية لعل أهمها : الصدق والأمانة والدقة وسعة المعرفة مع تواضع جم وحب لأهل العلم والأدب وإكرام لهم. كما عرف عنه انه كان إماما في « مسجد أبا القبيب « الشهير والمعروف بمدينة الدوحة وهو من المساجد القديمة التي ما تزال باقية حتى الان بعد ترميمه من جديد ، وتم انشاؤه في عهد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني حاكم قطر فيما بين (1876 - 1913). ترك (ابن درهم) تآليف عدة ، ما زال بعضها مخطوطاً ، غير أنّ كتابه « نُزهة الأبصار » غطى بشهرته وقيمته على سائر جهوده العلمية ، ولذا طُبع غير مرة ، وقد قام سمو الشيخ علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني حاكم قطر الاسبق بطباعته مرتين وتوزيعه على أهل العلم والأدب وتقع الطبعة الأولى في ثلاثة مجلدات أما الطبعة الثانية فطبعت في مجلدين ، بينما طبع طبعة أخرى على نفقة وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر قبل سنوات في أكثر من مجلد، وقد ضم المؤلف العديد من المختارات الجيدة لثلاثمائة شاعر من القدماء والمحدثين. يقول عنه أحد الباحثين المعاصرين في التراث: كان زاهداً وتقياً ومعلماً وقاضياً لعقد القرآن وتلقى علوم الدين من فقه وقراءة القرآن والشريعة وأصبح مؤهلاً لتعليم الناس ، وقد تطوّع لخدمة أبناء وطنه وتعليمهم القرآن الكريم وأصول الدين الإسلامي وكان لا يتهاون في شرع الله وسنة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك كان التعليم على يده يحتاج إلى تركيز وانتباه وحفظ ومواظبة وصبر ، لأن مبدأه هو (من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الطريق وصل) . ويقال إنه حرم التصوير ، كما حرم التدخين بعد أن عرف من خلال علمه بأنه ضار وحرم كذلك كل ما يضر بالإنسان ، فالتدخين عنده كان من المحرمات التي ينهى عنها الإسلام . ويقال عنه كذلك بأنه اعتكف في منزله لمدة سنتين لا يخرج إلا للصلاة فقط وذلك لتأليف كتاب (نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار). أورد له كتابه « نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار » عددًا من القصائد والمقطوعات الشعرية ، وأورد له كتاب « وميض البرق » للباحث علي الفياض بعض أشعاره ، ويدور ما أتيح من شعره حول المكاتبات والمطارحات الشعرية الإخوانية مضمنًا ذلك مدحه لمن يتوجه إليهم بمثل هذه المكاتبات ، ويميل إلى البث والشكوى ، ويتجه إلى استخلاص الحكم والاعتبار ، وله شعر في الرثاء فيه ، ويبدو تأثره بأسلافه من شعراء الرثاء ، وتتسم لغته بالطواعية ، وخياله نشيط. ولعل أشهر قصائده الفصيحة تلك التي عرفت باسم « خذ من زمانك ما صفا « التي يقول فيها (من بحر مجزوء الكامل): خُذْ مـن زمـانك مـا صـفـــــــــــــــــا واقنعْ - هديـت - بـمـــــــــــــــا كفى واعـلـم بأنك لن تجــــــــــــــــــــد خلاّ يـدوم عـلى الصَّفـــــــــــــــــــا كلا ولن تَرَ صـاحــــــــــــــــــــــبًا فـيـمـا أهـمّك مسعفــــــــــــــــــــا وإذا أخـو ثقة رأيـــــــــــــــــــــتَ الـود مـنه تكلُّفــــــــــــــــــــا فتسلَّ عـنه ولا تكــــــــــــــــــــــن متحـزِّنًا متأسّفـــــــــــــــــــــــــا وإذا الـمحـبُّ رأيـــــــــــــــــــــته متـودّدًا متلطّفـــــــــــــــــــــــــا فـاشددْ بـه عقـد الــــــــــــــــــودادِ ، وكـن له مستعطفـــــــــــــــــــــا كأخـي الفضـائل والــــــــــــــــــتّقى بـيـت الـمـروءة والـوفــــــــــــــــا ألِفَ الـمكـارم مذ نشـــــــــــــــــــا وأشـاد مـنهـا مـــــــــــــــــــا عفى لكـنّه قـد سـامـنــــــــــــــــــــــي هجـرًا بصـبري أجحفـــــــــــــــــــــا يـا أيّهـا الخلُّ الــــــــــــــــــــذي مـا زلَّ قطُّ ولا هفــــــــــــــــــــــا مـا ذنـب ممـلـوكٍ لكـــــــــــــــــــم أسقـيـته كأس الجفــــــــــــــــــــا ؟ إن كـان عـن ذنـبٍ فأنــــــــــــــــــتَ أحق مَنْ عـنه عفـــــــــــــــــــــا أو لـم يكـن ذنـبٌ فإنْــــــــــــــــــــنـي قـد عهدْتُك مـنصـفــــــــــــــــا ؟ تـاللهِ حـلْفَةُ صــــــــــــــــــــــادقٍ فـي الجهـر مـنّي والخـفــــــــــــــــا مـا لـذَّ لـي مـن بعـدكـــــــــــــــــم نـومٌ وعـيشـي مـا صـفــــــــــــــــــا والقـلـب بعـد فراقكـــــــــــــــــــم أضحى جـوًى متلهّفـــــــــــــــــــــــا فإلى متى هـــــــــــــــــــــذا الصدودُ ؟ إلى متى هـذا الجَفــــــــــــــــا ؟ مـا كـان ضرّك لـو كتبــــــــــــــــــــتَ إلى محـبك أحـرفـــــــــــــــــــا ؟ ويقول في قصيدته الأخرى « سلامٌ من المملوك « (من بحر الطويل) : سلامٌ مـن الـممـلـوك مـا لاح بـــــــارقُ ومـا هلّ ودقُ الهـامـيـات الـمـــــــواطرِ ومـا اخضرَّ عـودٌ أو تـرنم طـــــــــــائرٌ وفـاح شذا تلك الريـاض العــــــــــواطر أخـي إن جفـانـي كلُّ خلٍّ وصـاحـــــــــــبٍ ومـن لـم يـزل يرعـاه قـلـبـي وخــــاطري لقـد جـمع الله الـمـروءة والـوفـــــــا لـمـاجـدِ أعـراقٍ زكـيِّ العـنــــــــــاصر أخـي هـمّةٍ تأبى لكل دنــــــــــــــــيَّةٍ تقـيٍّ نقـيِّ العـرض عفّ الـــــــــــــمآزر له فـي العـلا بـيـتٌ أشـاد عـمـــــــاده تـراث جـدودٍ كـالـبــــــــــدور السّوافر ولكـنه قـــــــــــــــــد زانه وبنى له مـن الـمـجـد أركـان العـلا والـمفـــاخر وقصيدته الثالثة التي اخترناها له هي بعنوان « أشكو الى الله « يقول فيها (من بحر البسيط) : فـارقتكـم وبقـلـبـي مـن فراقكـــــــــمُ مـا لـيس يـوصـف مـن هـمٍّ ومــــــــن حَزَنِ أشكـو إلى الله مـا بـالقـلـب مـن ألـــمٍ فهـو الـمـرجّى لكشف الضرّ والـــــــــمحن كـيف السلـوُّ وعـيـنـي لا يلـذُّ لهـــــــا نـومٌ وقـلـبـيَ لا يـخلـو مــــــن الشجن ؟ ◄ كلمة أخيرة : رحم الله العالم الجليل والأديب والشاعر الشيخ عبدالرحمن ابن درهم.