31 أكتوبر 2025

تسجيل

لبنان والتحول الدراماتيكي

14 يوليو 2012

ثلاث قضايا بارزة، تجلت هذا الأسبوع في لبنان.. قد تفضي بمجموعها، وإن تباعدت الخيوط الرابطة بينها ظاهرياً، إلى تحول دراماتيكي ما، قد يطرأ على بنية الحراك السياسي القائم في لبنان. فخلال زيارته هذا الأسبوع إلى باريس، دعت فرنسا الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى العمل الدءوب على عدم استجلاب الأزمة السورية إلى لبنان. وهو صوت نسمعه في الداخل والخارج، بين من يتخوف من وصول الأزمة السورية إلى لبنان، بفعل الدفع الذاتي لها القائم على التواصل الجغرافي والديمغرافي والتاريخي بين البلدين والشعبين، وبفعل الدفع الخارجي لها. ونقصد بالخارجي هنا، اللاعبين على وتر نقل الأزمة من منطقة إلى أخرى، بغية توسيع الحريق في المنطقة لغايات لا تصب في صالح الشعوب العربية، ولا في صالح الديمقراطية والمنادين بها، أيّاً كانت هواياتهم وانتماءاتهم. وعلى قول المثل القائل " كثر الدقّ، بفك اللّحام ". فكثرة الحديث عن عدوى الصراع السوري والتحذير منه، أصبح سلاحاً للغيارى على البلد، ولأعداء البلد أيضا، حتى بات الأمر هاجساً يُخبر به الكبير والصغير.. وهذه نقطة لها ما بعدها. الحدث الثاني، وعطفاً على ما سبق، فقد عمد رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى إرسال الجيش اللبناني إلى الحدود مع سوريا، لأول مرة في تاريخ لبنان، بعد أن كثرت الخروقات السورية للحدود مع لبنان، وسقط العديد من الضحايا. يبقى للحدث دلالات استراتيجية كبيرة، بغض النظر، ما إذا كانت الرواية التي تحكيها وسائل الإعلام اللبنانية الموالية للنظام السوري من أن عناصر من الجيش السوري الحر تستوطن قرى حدودية لشنّ هجمات على النظام من داخل الأراضي اللبنانية، وبين رواية وسائل الإعلام المعارضة لبشار الأسد من أن موالين للنظام السوري في لبنان يطلقون النار باتجاه الأراضي السورية، بالتنسيق مع ضباط سوريين من أجل تسويق مقولة تسلل معارضين مسلحين من سوريا إلى لبنان، وإعطاء المبرر الكافي للجيش السوري باختراق الحدود اللبنانية، متى يحلو له ذلك،لأهداف أبعد بكثير من ملاحقة منشقين أو متمردين مسلحين. الحدث الثالث، ظهور بداية تصدع في حلف حزب الله – التيار الوطني الحرّ، الذي تم تدشينه فيما يُعرف بـ"ورقة التفاهم " الموقعة بين الطرفين في 6 فبراير 2006، وذلك على خلفية صراع قائم بين حركة أمل حليف حزب الله، وبين حليف الحليف، التيار الوطني الحرّ بقيادة ميشال عون،علماً بأن التحالف الثلاثي جنّب الحديث عن حلف سياسي شيعي في مواجهة الأحزاب اللبنانية الأخرى. وسبب التصدع هو الامتعاض المتكرر لدى التيار الوطني الحرّ مما يسميه، ممارسات حركة أمل داخل المؤسسات الرسمية وفي الحكومة. والقشة التي كادت تقصم ظهر البعير بين حزب الله والتيار العوني هي قضية تثبيت ما لا يقل عن 2000 عامل (مياوم) في مؤسسة كهرباء لبنان، 80% منهم من المسلمين الشيعة، ما سبب الحرج لميشال عون في قاعدته الانتخابية المسيحية. وبالتالي، فإن إمكانية خروج التيار الوطني الحرّ من التحالف الثلاثي، قد يُظهّر حزب الله على أنه عبء على لبنان بسلاحه ونهجه في مقابل أحزاب لبنانية أخرى تبقى في إطارها الوطني، وإن اختلفت توجهاتها وطروحاتها. لا شك أن الحساد لحلف حزب الله-التيار الوطني الحرّ سعدوا بمثل هذا السيناريو لكن كلا الطرفين ردّوا، بالتأكيد على متانة الحلف وعدم تضعضعه، مهما علت تمنيات الكائدين. وأن ما حدث ليس سوى غمامة صيف عابرة، وأن الطرفين قادران على تجاوز هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات، طالما أن المصلحة الكاملة لكليهما تكمن في هذا التحالف. بكل الأحوال، وإذا ما ربطنا الأحداث أو التطورات الثلاثة فيما بينها، نرى أننا أمام إرهاصات مرحلة جديدة، قد تولد في لبنان تحت أي ضغط، إذ تنشأ تحالفات وتتلاشى أخرى، وتنهار حكومة وتصعد أخرى، في وقت لم يكن أحد يتصور ذلك، والسبب الذي قد يدفعنا إلى تصور مثل هكذا سيناريو، رغم استبعاده، هو كثرة اللاعبين في الورقة اللبنانية، وخبراتهم التاريخية بها.