17 سبتمبر 2025
تسجيلضاقت حلقات الوضع السياسي والاقتصادي في السودان واستحكمت، دون بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم.. بعد مرور عام من انفصال جنوب البلاد في (9) يوليو من العام الماضي (2011م)، لم تتحقق النتائج المرجوة من مقايضة الانفصال بالسلام.. الرئيس السوداني عمر البشير قال في العام الماضي بجوبا وهو يخاطب احتفال الدولة الوليدة بالانفصال: (إن أسوأ سيناريو يمكن أن نتوقعه بعد الانفصال استمرار الحرب بين الطرفين، لأننا قدمنا وحدة البلاد مهراً غالياً لنحصل على السلام).. استمرت الحرب وبدلا من أن تكون بين الحكومة المركزية وجماعة متمردة، تطورت لتكون بين دولتين!!، وبلغت ذروتها عندما احتلت دولة الجنوب منطقة هجليج النفطية بالغة الأهمية الاستراتيجية للدولة الأم في الشمال في أبريل الماضي.. نعم، بعد مرور عام كامل على تنفيذ الانفصال، بقي الحال كما هو؛ سواء في جوبا أو في الخرطوم.. قالوا إن انفصال الجنوب سيوقف حرباً استمرت لأكثر من (50) عاماً عدا فترات متقطعة.. وقالوا إن الانفصال الذي تم بطريقة حضارية وبوفاءٍ فريد لا تعرفه السياسة الدولية؛ سيكسب الخرطوم احتراماً دولياً وسيجعل ذلك واشنطن تطبّع علاقاتها مع الخرطوم وتلغي العقوبات الاقتصادية عليها وترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ولكن حصدت الخرطوم عكس ذلك تماماً والمسألة لا تحتاج لتفصيل أو إبانة. لقد أسست الحركة الشعبية الحاكمة في الدولة الوليدة خطابها للجنوبيين على أن الدولة الجديدة ستكون الفردوس المفقود وجنة الله في الأرض.. لا أمن ولا سلام ولا بحبوحة اقتصادية وها هو رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب يبكي اليوم قائلاً إنه لا فائدة من الاقتتال!!.. فالرجل اكتشف أخيراّ أن استمرار الحرب لا فائدة منه؟!. في نوفمبر الماضي بثت قناة الجزيرة برنامجاً وثائقياً أكد أن الدولة الوليدة تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، وأن فطامها من أمها جاء دون تجهيزها لأطعمة بديلة.. هذا ما قاله القيادي الجنوبي والجنرال المتقاعد جوزيف لاقو لـ(الجزيرة)، وهو يتجول في أسواق جنوبية تعتبر كبرى وهي تشبه قرى الصفيح في الأحياء الطرفية بالمدن الكبرى، وسأل لاقو بائعة عن معروضاتها التي استوردتها من دولة مجاورة هي أوغندا، فردد حائراً: (لا يوجد شيء من إنتاجنا؛ كله من أوغندا؟).. منذ فترة؛ قيل إن أوغندا أدخلت (200) شاحنة محملة بمواد غذائية وخضار منتهية الصلاحية؟!، فدولة الجنوب بالنسبة إليها حديقة خلفية تلقي فيها بمخلفاتها ونفاياتها.. رئيس تحرير صحيفة (سيتزن) الجنوبية شنّ هجوماً شاملاً على الدولة في جوبا ووزرائها المفسدين، مسترجعاً طريقة اعتقاله بواسطة (16) مسلحاً بسبب كتاباته تلك.. العقلاء في جوبا يقولون متباكين إن الانفصال حدّ وقلل من مساحة الحرية وحقوق المواطنة لتنحصر فقط في 250 ألف ميل مساحة الدولة الجديدة.. الانفصال قلل من حجم المشاركة والاستيعاب السياسي حيث تستعر المنافسة حول الوظيفة السياسية والنزاع المتداخل مع البعد القبلي ليشكل بيئة مواتية للفوضى وعدم الاستقرار.. الانفصال قلل فرص أبناء الجنوب في الخدمة المدنية بنسبة 22 – 30% في المركز والولايات الشمالية، مما ولّد ضغطا تنوء بحمله الدولة الوليدة.. الانفصال سلب الجنوب أصالة حق التمتع بالموانئ والإطلالة على البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية، فالدولة الوليدة اليوم دولة مغلقة وهي نقطة ضعف كبيرة ودائمة. إن الأمر الذي جعل انفصال جنوب السودان واقعاً أليماً في الشمال والجنوب؛ تلك العقلية التي أدارت بها الحركة الشعبية علاقاتها مع الشمال قبل وبعد الانفصال، إذ كان واضحاً منذ البداية أن الحركة تريد اختطاف السودان بمكوناته الثقافية في إطار ما تسميه بمشروع السودان الجديد، وعندما استحال الأمر انكفأت على نفسها واتخذت من الانفصال طريقا باتجاه واحد، ووجد طريق الانفصال دعما كبيرا غير محدود من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي. قبل يوم واحد من إعلان الانفصال ظنت الخرطوم أنها بصدد تسديد هدف محكم في مرمى حكومة جوبا الوليدة.. إذ أعلنت الخرطوم اعترافاً موثقاً ومشهوداً.. الاعتراف حدد حدود الدولة المعترف بها بحدود 1956م وهي الحدود الفاصلة بين الدولتين.. بمعنى أن كل الأراضي شمال هذه الحدود هي أراض شمالية بما في ذلك منطقة أبيي.. كل ذلك لم يجد فتيلا، بل إن جوبا رسمت خريطة جديدة مستندةً إلى قرار مجلس الأمن الأخير رقم (2046) الذي فتح المجال أمام جوبا لادعاء تبعية المزيد من المناطق حتى تجاوزت (6) مناطق لم تكن في يوم من الأيام محل نزاع.